لا شك أن أمر الدماء عظيم، وخطرها كبير، والبداءة إنما تكون بالأهم فالأهم، وهي حقيقة بذلك؛ فإن الذنوب تعظم بحسب المفسدة الواقعة بها، أو بحسب ذوات المصالح المتعلقة بعدمها.
وعدم البنية الإنسانية من أعظم المفاسد، ولا ينبغي أن يكون بعد الكفر بالله تعالى أعظم منه.
ولهذا نص الشافعي -رحمه الله تعالى- على أن أكبر الكبائر بعد الشرك القتل. وهذا إذا تجرد عن اعتقاد حله في غير محله.
وقد ثبت في حديث صحيح في "السنن" عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال: "أولُ ما يُحاسَبُ عليهِ العبدُ صلاتُه" (?)، فيحتمل الأولية في حديث الدماء: أنها بما يقع فيه الحكم بين الناس فيما بينهم.
ويحتمل أن تكون عامة في أولية ما يُقضى فيه مطلقا. لكن الاحتمال الأول أقوى، ويكون حديث المحاسبة على الصلاة محمولًا على الأولية؛ فيما بين العبد وبين الله تعالى.
وفي الحديث: التنبيه على غلظ تحريم الدماء.
وفيه علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمور الآخرة كما يعلم أحكام الدنيا, ولا شك أن الأمر كذلك؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- أطلعه على ما كان [وما يكون] (?) وما هو كائن، ولم يكتم - صلى الله عليه وسلم - شيئًا من ذلك.
وفيه: القضاء بين الناس يوم القيامة، وأوليته، والله أعلم.
* * *