أما ذِكرُ عمر - رضي الله عنه - طلاقَ ابنهِ عبدِ الله امرأتهَ وهي حائض، فالظاهر أنه لمعرفة الحكم فيه.

وأَمَّا تَغيُّظُه - صلى الله عليه وسلم - فيه؛ فيحتمل أمرين:

أحدهما: لكونه فَعَلَ ما يقتضي المنع ظاهرًا من غير تثبت.

والثاني: لتركه المشاورة له - صلى الله عليه وسلم - في فعله ذلك إذا عزم عليه.

وقوله - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَر: "لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُمْسِكهَا حَتى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضُ فَتَطْهُرُ"؛ ظاهره الأمر بالمراجعة لمن طلَّق امرأته في الحيض، وأن امتداد المنع من الطلاق إلى أن تطهر من الحيضة الثانية؛ لأن صيغة (حتى) للغاية.

ولا شكَّ أن الأمر بالرجعة في ذلك ليس هو لأجل الطلاق في الحيض، إنما هو لأجل استمرار استباحة وطئها؛ حيث إن دوام المعاشرة لها في الحيض سبب للوطء في الطهر بعده، فبالدوام على حكم الطلاق يمتنع الوطء فيه، والتلذذ بها قبله، إما بالمباشرة في غير الفرج، أو فيما فوق الإزار، وإما بغيره، فتكون الرجعة سببًا لدوام العشرة وعدم الطلاق، فنبه - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بالمراجعة، على أنها ليست لغرض الطلاق، بل لظهور فائدتها.

ومن العلماء من أجاب بأن فائدتها: العقوبة له؛ ليكون سببًا لتوبته من معصيته، واستدراك خيانته، لكن ما ذكرناه أولًا أظهر؛ لأن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان جاهلًا بحكم الطلاق في الحيض؛ ولهذا سأل أبوه عمر - رضي الله عنه -. ومعلومٌ أنه ليس من فعل معصية جاهلًا كمن فعلها عالمًا، خصوصًا قبل حكم الشرع. مع أن نظر الشرع دائرٌ بين موافقة الأمر ودوام النكاح وحسن العشرة، فالمراجعة بعد الطلاق في الحيض، أقرب مما ذكر، والله أعلم.

ثم من العلماء من علَّل امتناع الطلاق في الحيض؛ بتطويل العدة، فإنَّ الحَيْضَة التي طلقت فيها لا تحسب من العدة، فيطول زمان التربُّص، ومنهم من علَّله بوجود الحيض فقط وصورته، وبنوا على العلتين مسألتين:

إحداهما: إذا طلقها في الحيض وهي حامل، وقلنا: إن الحامل تحيض،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015