"صحاحه" على ابن مسعود - رضي الله عنه -؛ لتقدُّم وفاته، وإنَّما خُصَّ هؤلاء من بين العبادلة بالذِّكر؛ لكونهم من أصاغر الصَّحابة وفقهائها، وتأخروا، وأخذ عنهم العلم والرِّواية -والله أعلم-.
ولعبدِ الله بنِ عمرَ مناقبُ كثيرةٌ، وفضائلُ شهيرةٌ، رُوي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألف حديثٍ، وستُ مئةِ حديثٍ، وثلاثون حديثًا، اتّفق البخاريُّ ومسلمٌ على مئةٍ وسبعين حديثًا، وانفرد البخاري بأحد وثمانين، ومسلم بأحد وثلاثين.
رَوَى عنه أولادُه وأحفادُه ومولاه نافع، وخلقٌ كثير من التابعين، وكان - رضي الله عنه - لا يُعدل برأيه؛ فإنه أقام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستِّين سنةً، فلم يخفَ عليه شيءٌ من أمره ولا من أمر الصحابة -رضي الله عنهم-.
روى له أصحاب السنن والمسانيد، وكانَ يتحفظُ ما سمعَ من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويسألُ عما غاب عنه من قولٍ أو فعلٍ مَنْ حَضَرَ، ويتَّبعُ آثارَه - صلى الله عليه وسلم - حتى مواضعَ صلاتِه - صلى الله عليه وسلم - سفرًا أو حضرًا، وبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبلَ أبيه وبعدَه أدبًا، وكان يغضب إذا قيل: هاجرَ قبل أبيه، وكان قوَّامًا صوَّامًا متواضِعًا، لا يأكلُ حتى يؤتى بمسكين فيأكل معه، وكان ممَّن لم تملْ به الدّنيا، وقال سعيد بنُ المسيِّبِ: لو شهدت لأحدٍ أنه من أهل الجنة في الدنيا، لشهدت لابن عمر (?)، وكان ضابطًا لأحاديثِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا يزيد فيها ولا ينقص، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَى عَبْدَ اللهِ رَجلًا صَالِحًا" (?)، وكان من البكَّائين الخاشعين، إذا أعجَبه شيءٌ من ماله، قرَّبه لربِّه، فكان رقيقُه يتزينون له بالعبادة وملازمةِ المسجد، فيعتقهم، فيقول له أصحابُه: ما بهم إلا خديعتك، فيقول: من خَدَعْنا بالله، انخدعْنا له (?)، قال نافعٌ: