بينهما نافلة، ولا بعدهما. ومنه قوله في الحديث: "كنتُ أسبِّحُ، وأقضي سُبْحَتي" (?)، و"اجعلوا صلاتَكم معهُ سبحةً" (?)؛ أي: نافلة، وسُميت الصلاة سبحة وتسبيحًا؛ لما فيها من تعظيم الله تعالى، وتنزيهه، قال تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143]؛ أي: المصلين.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: جواز جمع التأخير بمزدلفة، وهو جمع؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان وقت المغرب بعرفة، فما جمع بينهما بمزدلفة إلا وقد أخَّر المغرب، وهذا الجمع مجمع عليه، لكن اختلفوا في سببه، هل هو النسك أو السفر؟
وفائدة الخلاف: أن من ليس مسافرًا سفرًا يجمع فيه، هل يجمع بين هاتين الصلاتين، أم لا؟
فذهب أبو حنيفة إلى أن الجمع هنا بعذر النسك، وظاهر مذهب الشافعي أنه بعذر السفر، ولبعض أصحابه وجه كمذهب أبي حنيفة، ولم ينقل صريحًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الصلاتين في طول سفره ذلك، بل نقل من قول ابن عمر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جدَّ به السير، جمع بين المغرب والعشاء (?)، وهو ظاهر في جمع التقديم، محتمل في غيره من الجمع الصوري لا الشرعي المعروف، وإن كان خلاف الظاهر، فإن كان في نفس الأمر، لم يجمع، فيقوى أن الجمع هنا بسبب النسك، أو لأنه حكم متجدد، لأمر متجدد، فاقتضى إضافة الحكم إليه، وإن كان محمولًا على ما روى ابن عمر ظاهرًا في السفر، فقد اجتمع في هذا الجمع سببان؛ النسك، والسفر.