فأما نسخ القرآن بالسنة من جهة العقل، فلا يمتنع جوازه.
واختلف أصحاب الشافعي: [116/أ] فمنهم من أجاز ذلك عقلاً.
ومنهم من منعه، وقال: لا يجوز عقلاً ولا شرعاً.
فالوجه في جوازه عقلاً:
أن النسخ تعريف بقضاء مدة العبادة وإعلام سقوط مثل ما كان واجباً بالمنسوخ، وارتفاعه فيما يستقبل من الزمان، والمعرفة بذلك تقع بالسنة كما تقع بالقرآن.
والوجه لمن منع من ذلك:
أنه يؤدي إلى الارتياب بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يدل عليه قوله تعالى: (وَإذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَة وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إنّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ) (?) فلما كان نسَخَ القرآن بالسنة يزيد في ارتيابهم بالنبي -صلى الله عليه وسلم - لم يجز نسخه: بل ينسخ بقرآن مثله؛ ليكون أقطع لشكوكهم، وأشد إبطالاً لدعاويهم.
والجواب: أن المشركين كانوا ينسبون النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الافتراء إذا بدلت آية بآية مكانها، وهكذا حكى الله عنهم، فلو كان فعلهم ذلك مانعاً من جواز نسخ القرآن بالسنة، لمنع أيضاً من جواز نسخ القرآن بالقرآن.