الرأي، فرأوا أن يبيتوه على فراشه إن لم يظهر لهم. فقال لعلي: "نم على فراشي وتغش ببردي الحضرمي، فإنهم إن رأوا حجمك فوق الفراش ودون البرد لم يستريبوا، وخفي لهم أمري، ولم يتبعوا أثري". فنام علي على فراشه ينتظر وقع السيوف، ويتوقع رضخ الحجارة، باذلا نفسه مصطبرا. وليس فوق بذل النفس درجة يلتمسها صابر، ولا يبلغها طالب. وإن كان أبو بكر قد أحسن في خروجه وهجرته وصحبته، وهربه مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستخفائه في الغار. فإن ذلك لن يبلغ من الاحتمال والخطار والخوف، قدر ما كان فيه علي رضي الله عنه، لأن طمع النجاة في أحدهما أقوى، والنفس له أرجى.
قيل لهم: لو كان الأمر كما تقولون في هذين الخوفين لم يقم صرف ما بينهما بقدر عشر ما لقي أبو بكر من جميع ما وصفنا وما صنع أبو بكر في ثلاثة عشر سنة، من كثرة الإنفاق، وإيثار الفقر على الغنى، والوحدة على الأنسة، والهوان بعد الكرامة، والخوف بعد الامن، والضرب والافتتان بعد الاكرام والتعظيم، مع عتق المعذبين وكثرة المستجيبين، ومع صرف وزن ما بين الطاعتين، لأن طاعة الشاب الغرير أو الحدث الصغير، الذي في عز صاحبه عزه، ليس كطاعة الحكيم المحتنك الأريب، الذي لا يرجع تسويده لمن سوده [و] إلى رهطه.