وقد هتك اليأس لطول ما لقي حجاب قلبه. ونقض قوى طمعه حتى بقي وليس معه إلا احتسابه. ومقاتل في عسكر معه عز الرجاء وقوة الطمع، وطيب نفس الآمل.
فليس لعلي موقف من المواقف إلا ولأبي بكر أفضل منه إما في ذلك الموقف وإما في غيره. ولأبي بكر مواقف لا يشركه فيها علي ولا غيره.
وإنما محص علي وامتحن من لدن يوم بدر إلى آخر غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين المحنة في الدهر الذي كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه مقرنين لأهل مكة ومشركي العرب ومعهم أهل يثرب أصحاب النخيل والآطام، والإرب والإقدام، والصبر والمواساة، والإيثار والمحاماة، والعدد الدثر والفعل الجزل، وبين الدهر الذي كانوا فيه بمكة يفتنون ويشتمون ويضربون ويشردون، ويجوعون ويعطشون، مقهورين لا حراك بهم، وأذلاء لا دفع عندهم، وفقراء لا مال لهم، ومغيظين ولا يمكنهم السفهاء، ومستخفين لا يمكنهم اللقاء - فرق بين.
ولقد كانوا في حال أخرجت لوطا - وهو نبي، والنبي خير من جميع الناس - إلى أن قال لقومه حين لقي منهم ما لقي: {لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد}. [وقال النبي صلى الله عليه وآله: "عجبت من أخي لوط كيف قال: {أو آوي إلى ركن شديد} وهو يأوي إلى الله سبحانه!