وليس للمعرفة وجه إلا لتبصيره وتخييره، ولولا ذاك لم يكن للذي خص به من الإبانة، وتعديل الصنعة، وإحكام البنية معنى. والله يتعالى عن فعل ما لا معنى له.
وفي قول الله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} دليل على ما قلنا.
وليس لأحد أن يخرج بعض الجن والإنس من أن يكون خلق للعبادة إلا بحجة. ولا حجة إلا في عقل، أو كتاب، أو خبر.
فإن قالوا: فإن كان الله إنما أبانهم بالتعديل والتسوية للعبادة والاختيار مع الأمة فحكمهم حكم المسلمين المتعبدين، وإنما الإمام إمام المسلمين والمتعبدين.
قلنا: إنما يلزم الناس الأمر فيما عرفوا سبيله، وليس للعوام خاصة معرفة بسبيل إقامة الأئمة فيلزمها أمر، أو يجرى عليها نهي.
والعامة وإن كانت تعرف جمل الدين بقدر ما معها من العقول فإنه لم يبلغ من قوة عقولها وكثرة خواطرها أن ترتفع إلى معرفة العلماء، ولم تبلغ من ضعف عقولها أن تنحط إلى طبقة المجانين والأطفال.
وأقدار طبائع العوام والخواص ليست مجهولة فنحتاج إلى الإخبار عنها بأكثر من التنبيه عليها، لأنكم تعلمون أن طبائع الرسل فوق طبائع