قد كانوا أكثروا من قولهم: أرضيتم معشر بني عبد مناف أن تلي عليكم تيم؟ وأراد في أول مقام قامه أن يعلمهم [أن] ذلك المقام لا ينال بأن يكون صاحبه خير الناس حسبا ومركبا، إنما ينال بأن يكون خير الناس علما وعملا.
وأما غيرهما فزعم أن من عادة الخائفين الوجلين المشفقين أن يقول الرجل منهم: كل أحد خير مني؟ ثم يبكي على تضييعه، ويستعظم صغير ذنوبه كأنه ليس في الأرض مذنب سواه، وأكثر ما يقول ذلك عند ذكر بعض ذنوبه أو عند بعض ما يعارضه به الشيطان والإنسان، من تزكيته وتقريظه وإظهار تفضيله لنفسه وإحسانه، والعجب بحاله. لأنه ليس بعد أن يرى العبد أن ذنبه من قبل ربه مذهب هو أعظم من استكبار الطاعة واستصغار المعصية. فعند ذلك يعارضه المؤمن بتقريع نفسه وتأنيبها، وتوقيفها على ما فرط منها، وتذكيرها مساويها، واستعظام كل ما كان من تقصيرها وإساءتها، واستصغار كل ما كان من عظيم إحسانها وطاعتها، فيقول: كل أحد خير مني. وما أشبه من الكلام.
وهذا الضرب من اللفظ، إذا كان على هذا الوجه فليس في مجرى الكذب وقول الزور، وإن كان القائل: "كل أحد خير مني" خيرا من كل أحد.
فكأن أبا بكر لما خطب الناس وقام مقام رسول الله - صلى الله عليه -، وسلم عليه المهاجرون والأنصار وعلية قريش وسادة العرب قياما على أقدامهم، وصفوفا على مراتبهم، يقولون: السلام عليك يا خليفة رسول الله،