أحرف الرسائل:
والنفس تدرك من عيني محدثها ... إن كان من حِزْبها أو مِنْ أعَاديها
ومن الْمُثُل العالية للصداقة المتينة صداقة الوزير الوليد بن عبد الرحمن بن غانم للوزير هاشم بن عبد العزيز.
نقرأ في تاريخ الأندلس أن الوزير هاشماً بعثه السلطان محمد بن عبد الرحمن الأموي على رأس جيش، فوقع هذا الوزير أسيراً في يد العدو، وجرى ذكره يوماً في مجلس السلطان محمد بن عبد الرحمن، فاستقصره السلطان، ونسبه للطيش والعجلة والاستبداد بالرأي، فلم ينطق أحد الحاضرين في الاعتذار عنه بكلمة، ما عدا صديقه الوليد؛ فإنه قال:
"أصلح الله - تعالى - الأمير، إنه لم يكن على هاشم التخير في الأمور، ولا الخروج عن المقدور، بل قد استعمل جهده، واستفرغ نصحه، وقضى حق الإقدام، ولم يكن ملاك النصر بيدهِ، فخذله مَنْ وثق به، ونَكَل عنه من كان معه، فلم يزحزح قدمه عن موطن حفاظه، حتى مُلِكَ مقبلاً غير مدبر، ملبياً غير فشل، فجوزي خيراً عن نفسه وسلطانه؛ فإنه لا طريق للملامة عليه، وليس عليه ما جنته الحرب الغشوم.
وأيضاً فإنه ما قصد أن يجود بنفسه إلا رضاً للأمير، واجتناباً لسخطه، فإذا كان ما اعتمد فيه الرضا جالب