إذا ما كتمت السرَّ عمَّن أَوَدُّهُ ... توهم أنَّ الودَّ غيرُ حقيقيْ
ولم أُخْفِ عنه السرَّ مَنْ ظنَّةٍ به ... ولكنني أخشى صديقَ صديقيْ
والقول الفصل في هذا أن الأمر يرجع إلى قوة ثقتك بصديق الفضيلة، وذكائه، وفهمه قصدَك لأن يكون هذا السرُّ في صدره، لا يتجاوزه إلى غيره؛ فإن كان صديقك على هذا المثال فأطلعه على ما في نفسك؛ فإنما أنت وهو روح واحدة، ولكنها في بدنين، فإن كان مع صداقته الخالصة لا تأمن أن يجري على لسانه بعض ما أفضيت به إليه فذلك موضع قول الشاعر:
ولكنني أخشى صديق صديقي
ومن الأذكياء من يحرص على كتم سرِّ صديقه، فلا يفضي به إلى صديق له آخر، ولا سيما صديقاً ليس بينه وبين الذي أودع عنده السر صلة صداقة، قال مسكين الدارمي:
أواخي رجالاً لست مُطلعَ بَعْضِهم ... على سرِّ بعضٍ غير أني جِماعُها
يَظلَّون شتى في البلاد وسرُّهم ... إلى صخرة أعيا الرجالَ انصداعُها
شأن الصداقة أن تنعقد بين شخصين يقيمان في موطن، وتبقى حافظة المظاهر ما دام الصديقان يتمتعان بأنس القرب والتزاور، فإن فرَّقت الأيام بين داريهما، وبدَّلَتْهما بالقرب بعداً، وبالأنس شوقاً بقيت الصداقة في قوتها، وإنما يكون للبعد أثر في مظاهرها.