العبوديه (صفحة 14)

تحليل لفكرة (الحقيقة) عند الصوفية، والكشف عن حقيقتها، وبيان موقف الإسلام منها

الفرق بين الحقيقة الكونية، والحقيقة الدينية

من الْخطاب الَّذِي يقر فِيهِ بِأَن الله ربه وخالقه وخالق غَيره وَكَذَلِكَ أهل النَّار قَالُوا [106 الْمُؤْمِنُونَ] : {رَبنَا غلبت علينا شِقْوَتنَا وَكُنَّا قوما ضَالِّينَ} وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُم [30 الْأَنْعَام] : {وَلَو ترى إِذْ وقفُوا على رَبهم قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بلَى وربنا} .

فَمن وقف عِنْد هَذِه الْحَقِيقَة وَعند شهودها وَلم يقم بِمَا أَمر الله بِهِ من الْحَقِيقَة الدِّينِيَّة الَّتِي هِيَ عِبَادَته الْمُتَعَلّقَة بإلوهيته وَطَاعَة أمره وَأمر رَسُوله كَانَ من جنس إِبْلِيس وَأهل النَّار.

فَإِن ظن مَعَ ذَلِك أَنه من خَواص أَوْلِيَاء الله وَأهل الْمعرفَة وَالتَّحْقِيق، الَّذين سقط عَنْهُم الْأَمر وَالنَّهْي الشرعيان، كَانَ من أشر أهل الْكفْر والإلحاد.

وَمن ظن أَن الخَضِرَ وَغَيره سقط عَنْهُم الْأَمر لمشاهدة الْإِرَادَة وَنَحْو ذَلِك، كَانَ قَوْله هَذَا من شَرّ أَقْوَال الْكَافرين بِاللَّه وَرَسُوله، حَتَّى يدْخل فِي النَّوْع الثَّانِي من معنى العَبْد، وَهُوَ العَبْد بِمَعْنى العابد، فَيكون عابدا لله، لَا يعبد إِلَّا إِيَّاه، فيطيع أمره وَأمر رسله، ويوالي أولياءه الْمُؤمنِينَ الْمُتَّقِينَ ويعادي أعداءه.

وَهَذِه الْعِبَادَة مُتَعَلقَة بالإلهية لله تَعَالَى وَلِهَذَا كَانَ عنوان التَّوْحِيد لَا إِلَه إِلَّا الله بِخِلَاف من يقر بربوبيته وَلَا يعبده أَو يعبد مَعَه إِلَهًا آخر.

فالإله هُوَ الَّذِي يألهه الْقلب بِكَمَال الْحبّ والتعظيم والاجلال وَالْإِكْرَام وَالْخَوْف والرجاء وَنَحْو ذَلِك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015