اَلْبَاقِينَ أَنْ يَسْبَحُوا وَرَاء اَلْغَرِيقَة ثُمَّ سَقَطَ فِي مَكَانه وَاهِنًا مُتَهَالِكًا وَكَانَ قَدْ اِجْتَمَعَ عَلَى اَلضَّفَّة خَلْق كَثِير مِنْ اَلْفَلَّاحِينَ رِجَالًا وَنِسَاء فَسُبَح بَعْضهمْ وَرَاء اَلسَّابِحِينَ وَوَقَفَ اَلْبَاقُونَ حَوْل المركيز يَنْتَظِرُونَ رَحْمَة اَللَّه وَإِحْسَانه.
اِنْتَشَرَ اَلسَّابِحُونَ فِي كُلّ مَكَان وَمَشَتْ وَرَاءَهُمْ عُيُون اَلنَّاظِرَيْنِ وَقُلُوبهمْ فَقَامَتْ بَيْنهمْ وَبَيْن اَلْأَمْوَاج اَلْمُتَلَاطِمَة مَعْرَكَة هَائِلَة كَانُوا يَظْفَرُونَ فِيهَا مَرَّة وَيَتَرَاجَعُونَ أُخْرَى وَكَادُوا إِذَا لَاحَ لَهُمْ عَلَى اَلْبُعْد قَمِيص اَلْغَرِيقَة أَوْ شَعْرهَا عَظُمَ عِنْدهمْ اَلْأَمَل فَانْدَفَعُوا وَرَاءَهَا مُسْتَبْسِلِينَ مُسْتَلْقِينَ يغالبون جِبَال اَلْأَمْوَاج اَلْمُعْتَرِضَة فِي طَرِيقهمْ حَتَّى إِذَا دُنُوّ مِنْ اَلْمَكَان اَلَّذِي لَمَحُوهَا فِيهِ لَا يَجِدُونَ أَمَامهمْ شَيْئًا ثُمَّ لَا يَلْبَث اَلْمَوْج أَنْ بَكَّرَ عَلَيْهِمْ فَيَدْفَعهُمْ إِلَى اَلشَّفَة كَمَا كَانُوا.
وَمَا زَالَتْ اَلْفَتَرَات بَيْن ظُهُور اَلْغَرِيقَة وَاخْتِفَائِهَا تَتَّسِع شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى غَابَتْ عَنْ اَلْأَعْيُن وَلَمْ تَظْهَر فَهَبَطَ اَلسَّابِحُونَ وَرَاءَهَا وَلَبِثُوا سَاعَة يَرْسُبُونَ وَيَطْفُونَ ثُمَّ ظَهَرُوا عَلَى وَجْه اَلْمَاء يَحْمِلُونَهَا عَلَى أَيْدِيهمْ وَلَا يَعْلَم اَلنَّاس أحية أَمْ مَيِّتَة وَمَا زَالُوا يَسْبَحُونَ بِهَا وَأَصْوَات اَلدُّعَاء لَهَا وَالْبُكَاء عَلَيْهَا تَرِنّ فِي اَلضَّفَّتَيْنِ فَتَرَدَّدَ رَنِينهَا آفَاق اَلسَّمَاء حَتَّى وَصَلُوا بِهَا إِلَى اَلضَّفَّة فَأَلْقَوْهَا عَلَى اَلْأَرْض فَإِذَا هِيَ مَيِّتَة. وَمَا هِيَ إِلَّا سَاعَة أَوْ بَعْض سَاعَة حَتَّى كَانَتْ اَلضَّفَّة مَأْتَمًا قَائِمًا يَبْكِي فِيهِ اَلنِّسَاء عَلَى اَلشَّهِيدَة وَالرِّجَال عَلَى اَلشَّهِيد.
لَمْ يَنْتَفِع المركيز بِنَفْسِهِ بَعْد هَذَا اَلْيَوْم كَمَا لَمْ يَنْتَفِع جلبرت بِنَفْسِهِ مِنْ قَبْل فَقْد مَرِضَتْ اِبْنَته أَثَر تِلْكَ اَلْحَادِثَة مَرَضًا شَدِيدًا