اَلْفَتَى وَارْتَاعَ وَحَنَا عَلَيْهَا وَقَالَ مَاذَا أَرَى قَالَتْ لَا تُرَع فاصغ إِلَى فَانٍ لِحَدِيثَيْ بَقِيَّة لَمْ تَسْمَعهَا إِنَّنِي مُنْذُ حَفَّظَتْ وَصِيَّة أُمِّي وَوَهَبَتْ اَلْعَذْرَاء نَفْسِي كَانَ لَابُدَّ لِي أَنْ أَتَّخِذ لِي مَلْجَأ أَفْزَعَ إِلَيْهِ فِي اَلْيَوْم اَلَّذِي أَخَافَ أَنْ يَغْلِبنِي فِيهِ هَوَايَ عَلَى دِينِي فَكُنْت لَا أَزَال أَحْمِل تِلْكَ اَلْقَارُورَة مَعِي حَتَّى جَاءَ اَلْيَوْم اَلَّذِي خِفْته فَلَجَأَتْ إِلَيْهَا فَنَجَوْت وأستودعك اَللَّه فَنَظَر اِلْفِتِي حَيْثُ أَشَارَتْ فَرَأَى قَارُورَة مِطْرَحَة وَرَاءَهَا فَتُنَاوِلهَا فَإِذَا هِيَ فَارِغَة إِلَّا مِنْ بَقِيَّة صَفْرَاء فِي قرارتها فَفَهْم كُلّ شَيْء.
هُنَالِكَ شَعَرَ كَأَنَّ شَعْبه مِنْ شِعَاب قَلْبه هَوَتْ بَيْن أَضْلَاعه وَكَأَنَّ طَائِرًا قَدْ نَفَضَ جَنَاحَيْهِ ثُمَّ طَارَ عَنْ رَأْسه إِلَى جَوّ اَلسَّمَاء فَصَعَقَ فِي مَكَانه صَعْقَة لَمْ يَشْعُر بَعْدهَا بِشَيْء مَا حَوْله فَلَمَّ يستفيق إِلَّا بَعْد حِين فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ فَإِذَا اَلْفَتَاة بِجَانِيهِ جُثَّة بَارِدَة وَإِذَا اَلْكَاهِن صَاحِب اَلْكُوخ وَاقِفًا أَمَامه يَحْمِل عَلَى كَفّه طَعَامًا كَانَ قَدْ جَاءَ بِهِ إِلَيْهِمَا وَيَقْلِب نَظَره حَائِرًا لَا يَفْهَم مِمَّا يَرَى شَيْئًا فَوَثَبَ اَلْفَتِيّ إِلَيْهِ حَتَّى صَارَ أَمَامه وَجْهًا لِوَجْه وَنَظَر إِلَيْهِ نَظْرَة شزراء كَتِلْكَ اَلنَّظْرَة اَلَّتِي يُلْقِيهَا اَلْمُوتُور عَلَى وَجْه واتره وَكَأَنَّ قَدْ خولط فِي عَقْله فَأَخَذَ يَهْذِي وَيَقُول:
أَتَدْرِي أَيُّهَا اَلرَّجُل لِمَ مَاتَتْ هَذِهِ اَلْفَتَاة لِأَنَّهَا وَهَبَّتْ نَفْسهَا لِلْعَذْرَاءِ ثُمَّ عَرَضَ لَهَا اَلْحُبّ فِي طَرِيقهَا فَوَقَفَتْ حَائِرَة بَيْن قَلْبهَا وَدِينهَا فَلَمْ تَجِد لَهَا سَبِيلًا إِلَى اَلْخَلَاص إِلَّا سَبِيل اَلِانْتِحَار فَانْتَحَرَتْ تِلْكَ جَرَائِمكُمْ يَا رِجَال اَلْأَدْيَان اَلَّتِي تَقْتَرِفُونَهَا عَلَى وَجْه اَلْأَرْض مَا كَفَاكُمْ أَنْ جَعَلْتُمْ أَمْر اَلزَّوَاج فِي أَيْدِيكُمْ تَحِلُّونَ مِنْهُ مَا تَحِلُّونَ وَتَرْبُطُونَ مَا تَرْبُطُونَ حَتَّى قَضَيْتُمْ بِتَحْرِيمِهِ قَضَاء مُبْرَمًا لَا يَقْبَل أَخْذًا وَلَا رَدًّا ?