قُمْت مِنْ مَكَانِي كَأَنَّنِي أَنْتَزِع نَفْسِي مِنْ اَلْأَرْض اِنْتِزَاعًا وَمَشَيْت إِلَى أَبِيك كَمَا يَمْشِي الحائن إِلَى مَصْرَعه حَتَّى جَثَوْت بَيْن يَدَيْهِ وَأَخَذْت بِيَدِهِ فاستفاق مَنْ غَشِيَتْهُ وَنَظَرَ إِلَيَّ ذاهلا مَشْدُوهًا فَقُلْت لَهُ أَعْتَقِد يَا سَيِّدِي أَنَّنِي أَحَبّ وَلَدك ? قَالَ نَعَمْ قَالَتْ حُبًّا هُوَ مُنْتَهَى مَا تَسْتَطِيع اِمْرَأَة أَنْ تَحْتَمِل قَالَ نِعَم قَلَّتْ وَأَنَّ هَذَا اَلْحُبّ هُوَ كُلّ آمَالِي وَسَعَادَتِي وَمَا أَمَّلَك فِي اَلْحَيَاة قَالَ نَعَمْ يَا بُنِّيَّتِي قُلْت قَدْ ضَحِيَّته مِنْ أَجْل اِبْنَتك فَعَدَّ إِلَيْهَا وَبَشَّرَهَا بِسَعَادَة اَلْمُسْتَقْبَل وَهَنَائِهِ وَقُلْ لَهَا إِنَّ اِمْرَأَة لَا تَعْرِفك وَلَمْ تَتْرُك فِي يَوْم مِنْ أَيَّام حَيَاتهَا وَلَكِنَّهَا تُحِبّك وَتُشْفِق عَلَيْك تَمُوت اَلْآن مِنْ أَجْلك فَاسْأَلِي اَللَّه لَهَا اَلرَّحْمَة وَالْغُفْرَان.

فَتَهَلَّلَ وَجْهه بِشْرًا وَسُرُورًا وَلَمْ يَدْعُ كَلِمَة مِنْ كَلِمَات اَلشُّكْر وَالثَّنَاء إِلَّا أُفْضِي بِهَا إِلَيَّ فَأَنْسَانِي سُرُوره وَاغْتِبَاطه أُلِمّ اَلضَّرْبَة اَلَّتِي أَصَابَتْ كَبِدِي وَاسْتَحَالَ حُزْنِي بِالْإِغْوَاءِ إِلَى رَاحَة وَسُكُون فَحَمِدَتْ اَللَّه عَلَى أَنَّ لَمْ يَرَ فِي وَجْهِي فِي تِلْكَ اَلسَّاعَة مَا يُنَغِّص عَلَيْهِ سُرُوره وَاغْتِبَاطه.

وَهُنَا شَعَرَتْ بِحَرَكَة عِنْد بَاب اَلْغُرْفَة فَالْتَفَتَ فَإِذَا برودنس تُشِير إِلَى بِيَدِهَا فَذَهَبَتْ إِلَيْهَا فَأَعْطَتْنِي كِتَابًا جَاءَ بِهِ اَلْبَرِيد فَقَرَأَتْ عُنْوَانه فَإِذَا هُوَ بِخَطّ المركيز جَانّ فِيلِيب فَعَلِمَتْ مَا يَتَضَمَّنهُ قَبْل أَنْ أَرَاهُ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّ اَللَّه قَدْ أَوْحَى إِلَى بِمَا أَفْعَل فَذَهَبَتْ مُسْرِعَة إِلَى غُرْفَة مَكْتَبِي كَأَنَّنِي أَخَاف أَنْ يَعْرِض لِي فِي طَرِيقِي مَا يُزَعْزِع عَزِيمَتِي وَهُنَاكَ قَرَأَتْ اَلْكِتَاب وَكَتَبَتْ لِصَاحِبِهِ فِي بِطَاقَة صَغِيرَة هَذِهِ اَلْكَلِمَة سَأَتَعَشَّى عِنْدك اَللَّيْلَة ثُمَّ أَعْطَيْتهَا برودنس لِتَلَقِّيهَا فِي صُنْدُوق اَلْبَرِيد وَعُدْت إِلَى أَبِيك فَوَجَدَتْه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015