حُمْرَة وَيَرْفُض جَبِينه عَرَقًا كَأَنَّمَا جَنَى جِنَايَة لامقيل لَهُ مِنْهَا فَلَمْ تَحْفُل بِهِ كَثِيرًا لِأَنَّهَا لَمْ تَرَ فِي أَمْره شَيْئًا جَدِيدًا إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَعَجُّب لِسُكُونِهِ وَجُمُوده وَطُول إغضائه وَإِطْرَاقه وَلِتِلْكَ اَلْعِبْرَة مِنْ اَلْحُزْن اَلْمُنْتَشِرَة عَلَى وَجْهه وَكَانَ أَكْثَر مَا يُدْهِشهَا مِنْهُ أَوْ يُعْجِبهَا أَنَّهُ اَلْفَتَى اَلْوَحِيد اَلَّذِي كَانَ يَبْكِي فِي ذَلِكَ اَلْمُجْتَمَع اَلْمُنْتَظَر اَلْمُشَاهَد اَلْمُحْزِنَة اَلَّتِي تُمَثِّل عَلَى مَسْرَح اَلتَّمْثِيل لِأَنَّهَا تَعْلَم أَنَّ اَلْفِتْيَان اَلْفَرِحِينَ اَلْمُغْتَبِطِينَ بِشَبَابِهِمْ وَصِحَّتهمْ وَلَا يَحْفُلُونَ بِمَنَاظِر اَلشَّقَاء اَلْحَقِيقِيَّة فَأَحْرَى أَنْ لَا يَحْفُلُوا بِتَمْثِيلِهَا.
فَإِنَّهَا اَلْحَالِيَّة بِنَفْسِهَا فِي مَقْصُورَة ذَات لَيْلَة وَكَانَ اَلْجَوّ بَارِدًا مُقْشَعِرًّا إِذْ فَاجَأَتْهَا نَوْبَة سُعَال اِشْتَدَّتْ عَلَيْهَا كَثِيرًا حَتَّى كَادَتْ تَسْقُط عَنْ كُرْسِيّهَا ضَعْفًا وَوَهْنًا فَشَعَرَتْ بِيَد تُمْسِك يَدهَا فَاعْتَمَدَتْ عَلَيْهَا دُون أَنْ تَسْتَطِيع اَلِالْتِفَات إِلَى صَاحِبهَا حَتَّى بَلَغَتْ عَرَبَتهَا فَرَكِبْتهَا فَشَعَرَتْ بِالرَّاحَةِ قَلِيلًا فَالْتَفَتَتْ لِتَشْكُر لِصَاحِب تِلْكَ اَلْيَد يَده لَمْ تُرِ أَمَامهَا أَحَدًا وَرَأَتْ عَلَى بُعْد خُطُوَات مِنْهَا إِنْسَانًا مُنْصَرِفًا فَلَمْ تَتَمَكَّن مِنْ رُؤْيَته إِلَّا أَنَّهَا تَخَيَّلَتْ صُورَته تَخَيُّلًا فَعَجِبَتْ لِأَمْرِهِ وَمَضَتْ فِي طَرِيقهَا فَمَا وَصَلْت إِلَى مَنْزِلهَا حَتَّى شَعَرَتْ برعدة اَلْحُمَّى تَتَمَشَّى فِي أَعْضَائِهَا فَلَزِمَتْ سَرِيرهَا بِضْعَة أَيَّام لَا تُفَارِقهُ حَتَّى أَبْلَتْ قَلِيلًا فَقَدَّمَتْ إِلَيْهَا خَادِمَتهَا بِطَاقَات اَلزِّيَارَة اَلَّتِي تَرَكَهَا اَلْفِتْيَان اَلَّذِينَ زَارُوهَا فِي اثناء مَرَضهَا تُجْمِلَا وَتَلُومَا فَلَمْ تَقْرَأ وَاحِدَة مِنْهَا ثُمَّ حَدَّثَتْهَا اَلْخَادِم أَنَّ فَتَى كَانَ يَأْتِي لِلسُّؤَالِ عَنْهَا فِي كُلّ يَوْم مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ وَلَا يَذْكُر اِسْمه وَلَا يَتْرُك بِطَاقَته وَأَنَّهُ كَانَ يَنْقَبِض اِنْقِبَاضًا شَدِيدًا كُلَّمَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا لَا تَزَال طَرِيحَة فِرَاشهَا تَشْكُو وَتَتَأَلَّم فاستوصفتها إِيَّاهُ فَوَصَفَتْهُ لَهَا فَلَمْ