بِك وَشِيكًا فَلَا شَيْء يُعَزِّينِي عَنْك بَعْد فِرَاقك إِلَّا اَلْأَمَل فِي لِقَائِك فَأَبْكَانِي بُكَاؤُهَا وَأَحْزَنَنِي مَنْظَرهَا وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا صَادِقَة فِيمَا تَقُول وَأَنَّ سِيخهَا شَهِيد مِنْ شُهَدَاء اَلْقَضَاء وَأَحْبَبْت أَنْ أَقِف عَلَى قِصَّتهَا وَقِصَّته فَبَرَزْت مِنْ مَخْبَئِي وَمَشَيْت إِلَيْهَا فَارْتَاعَتْ لِمَرْآيَ عِنْد اَلنَّظْرَة اَلْأُولَى ثُمَّ سَكَتَتْ كَأَنَّمَا ذَكَرَتْ أَنْ لَا قِيمَة لِمَصَائِب اَلْحَيَاة بَعْد مُصَابهَا اَلَّذِي نَزَلَ بِهَا فابتدرتها بِقَوْلِي لَا تُرَاعِي يَا سَيِّدَتِي فَإِنَّنِي رَجُل غَرِيب مِنْ هَذَا اَلْبَلَد لَا أَعْرِف مِنْ شَأْنه وَلَا مَنْ شَان أَهْله شَيْئًا وَقَدْ رَأَيْت اَلسَّاعَة مَوْقِفك عَلَى هَذَا اَلْقَبْر وَتُفْجِعك عَلَى سَاكِنه فَرَثَيْت لَك وَبَكَيْت لِبُكَائِك وَتَمَنَّيْت لَوْ أَفْضَيْت إِلَى بِذَات نَفْسك عَلَنِيّ استطيع أَنْ أَكُون لَك عَوْنًا عَلَى هَمّك فاستعبرت بَاكِيَة وَأَنْشَأَتْ تُحَدِّثنِي وَتَقُول:
إِنَّ زَوْجِي لَمْ يَكُنْ فِي يَوْم مِنْ أَيَّام حَيَاته لِصًّا وَلَا سَارِقًا بَلْ قُضِيَ أَيَّام شَبَابه وَكُهُولَته عَامِلًا مُجِدًّا لَا يَفْتُر سَاعَة وَاحِدَة عَنْ اَلسَّعْي فِي طَلَب رِزْقه وَرِزْق أَهْل بَيْته حَتَّى كَبَرَ وَلَده وَكَانَ وَاحِده فَاشْتَدَّ بِهِ سَاعَدَهُ وَاحْتَمَلَ عَنْهُ بَعْد مَا كَانَ يَسْتَقِلّ بِحَمْلِهِ مِنْ اَلْهَمّ وَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ نَعِمْنَا بِهِ وَبِمَعُونَتِهِ حِقْبَة مِنْ اَلدَّهْر حَتَّى نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَة اَلْمَوْت فَذَهَبَتْ بِحَيَاتِهِ أَحْوَج حا كُنَّا إِلَيْهِ وَخَلْف وَرَاءَهُ حمسة أَوْلَاد صِغَار لَا يَتَجَاوَز أَكْبَرهمْ اَلْعَاشِرَة مِنْ عُمْره وَكَانَتْ قَدْ أَدْرَكَتْ أَبَاهُ اَلشَّيْخُوخَة فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ هُمْ اَلْكِبَر وَهُمْ الثكل فَأَصْبَحَ عَاجِزًا عَنْ اَلْعَمَل لَا يَسْتَطِيعهُ إِلَّا فِي اَلْفَنِّيَّة بَعْد اَلْفَنِّيَّة وَأَصْبَحْنَا جَمِيعًا فِي حَالَة مِنْ اَلشَّقَاء وَالْبُؤْس لَا يَعْرِف مَكَانهَا مِنْ نُفُوسنَا إِلَّا مَنْ أَلَمَّ بِهِ فِي حَيَاته طَرَف مِنْهَا حَتَّى طَلَعَتْ عَلَيْنَا شَمْس يَوْم مِنْ اَلْأَيَّام وَلَيْسَ فِي يَدنَا مَا نَقُوم بِهِ أصلاب صِغَارنَا