" مَوْضُوعَة "
رَأَيْت فِيمَا يَرَى اَلنَّائِم فِي لَيْلَة مِنْ لَيَالِي اَلصَّيْف اَلْمَاضِي كَأَنِّي هَبَطْت مَدَنِيَّة كُبْرَى لَا عِلْم لِي بِاسْمِهَا وَلَا بِمَوْقِعِهَا مِنْ اَلْبِلَاد وَلَا بِالْعَصْرِ اَلَّذِي يَعِيش أَهْلهَا فِيهِ فَمَشَيْت فِي طُرُقهَا بِضْع سَاعَات فَرَأَيْت أَجْنَاسًا مِنْ اَلْبَشَر لَا عِدَاد لَهُمْ يَنْطِقُونَ بِأَنْوَاع مِنْ اَللُّغَات لَا حَصْر لَهَا فَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّ اَلدُّنْيَا قَدْ اِسْتَحَالَتْ إِلَى مَدَنِيَّة وَأَنَّ اَلَّذِي أَرَاهُ بَيْن يَدِي إِنَّمَا هُوَ اَلْعَالِم بِأَجْمَعِهِ مِنْ أَدْنَاهُ إِلَى أَقْصَاهُ فَلَمْ أَزَلْ أَتَنَقَّل مِنْ مَكَان إِلَى مَكَان وَأُدَاوِل بَيْن اَلْحَرَكَة وَالسُّكُون حَتَّى اِنْتَهَى بِي اَلْمُسَيَّر إِلَى بِنْيَة عَظِيمَة لَمْ أَرَ بَيْن اَلنَّبِيّ أَعْظَم مِنْهَا شَأْنًا وَلَا أُهَوِّل مَنْظَرًا وَقَدْ اِزْدَحَمَ عَلَى بَابهَا خَلْق كَثِير مِنْ اَلنَّاس وَمَشَى فِي أَفْنَيْتهَا وأبهائها طَوَائِف مِنْ اَلْجُنْد يُخْطِرُونَ بِسُيُوفِهِمْ وحمائلهم جِيئَة وذهوبا فَسَأَلَتْ بَعْض اَلْوَاقِفِينَ مَا هَذِهِ اَلْبِنْيَة وَمَا هَذَا اَلْجَمْع اَلْمُحْتَشِد عَلَى بَابهَا فَعَلِمَتْ أَنَّهَا قَصْر اَلْأَمِير وَأَنْ اَلْيَوْم يَوْم اَلْقَضَاء بَيْن اَلنَّاس وَالْفَصْل فِي خُصُومَاتهمْ وَمَا هِيَ إِلَّا سَاعَة حَتَّى نَادَى مُنَادٍ فِي اَلنَّاس أَنَّ قَدْ اِجْتَمَعَ مَجْلِس اَلْقَضَاء فَاشْهَدُوهُ فَدَخْل اَلنَّاس وَدَخَلَتْ عَلَى أَثَرهمْ وَجَلَسَتْ حَيْثُ اِنْتَهَى بِي اَلْمَجْلِس فَرَأَيْت جَالِسًا عَلَى كُرْسِيّ مِنْ اَلذَّهَب يَتَلَأْلَأ فِي وَسَط اَلْفَنَاء تَلَأْلُؤ اَلشَّمْس فد دَارَتْهَا وَقَدْ جَلَسَ عَلَى يَمِينه