القسم الثالث: توحيد الألوهية ويقال له توحيد العبادة وهو العلم1 والاعتراف بأن الله ذو الألوهية والعبودية وإفراده وحده بالعبادة كلها وإخلاص الدين لله وحده.
وهذا القسم يستلزم القسمين الأولين ويتضمنهما لأن الألوهية التي هي صفة تعم أوصاف الكمال وجميع أوصاف الربوبية والعظمة فإنه المألوه المعبود لما له من أوصاف العظمة والجلال ولما أسداه إلى خلقه من الفواضل والإفضال.
فتوحده تعالى بصفات الكمال وتفرده بالربوبية يلزم منه ألا يستحق العبادة أحد سواه2.
وهذا القسم هو الذي من أجله أنزل الله الكتب وأرسل الرسل فجميع رسل الله عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم إنما بعثوا لدعوة العباد إلى إفراد الله بالعبادة {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} .
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} .
وقال الله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاه} وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآب} .
ومن أجل ذلك كان كل رسول يفتتح دعوته بقوله لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} .
ومن هنا يعلم أن الإقرار بالربوبية لا يكفي في التوحيد لأن المشركين لم ينفعهم هذا الإقرار مع إشراكهم الأنداد لله في العبادة ولا أغنى عنهم من الله شيئا، وأن عبادتهم هي اعتقادهم فيهم أنهم ينفعون ويضرون وأنهم يقربونهم إلى الله زلفى {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وأنهم يشفعون لهم عند الله {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ