سبب وجيه لكي نسلم مقدماً بالنبوة بالممعادلة الشخصية (?) للنبي، وهو يقرر أن الأمر يتعلق أو يمكن أن يتعلق بالأعصاب الثائرة، والخيال الشاطح، والفكر الذي أزاغته ظواهر ذاتية محض.
إن حياة الأنبياء وتاريخهم يمنعاننا من أن نعدهم مؤمنين مندفعين دون تعقل وبكل بساطة، إلى الخوارق والمعجزات، أو أن نحكم بأنهم معتوهون بأصل خلقتهم، اختلت عقولهم وبصائرهم بنقائص مزمنة؛ فهم يمثلون- على العكس- الإنسان في أسمى حالات كماله البدني والخلقي والعقلي، وشهاداتهم الإجماعية تحظى في نظرنا بالثقة التي تستحقها. وإذن فمن الواجب في المقام الأول أن نلجأ إلى هذه الشهادة لكي نثبت القيمة التاريخية للوقائع التي نخضعها لنقدنا، ثم يبقى علينا أن نحلل مجموع هذه الوقائع في ضوء العقل المتحرر من ربقة الشك المطلق الذي لا هدف له.
ولذا فسنحاول أن نبحث حالة النبي (أرمياء) الذي اخترناه من أجل الضمانات التاريخية، التي تخول كتابه وتاريخه الشخصي قيمة الحقيقة الموضوعية، والواقع أن البروفسور (مونتيه، Montet) قد توصل في دراسته للوثائق الدينية إلى تجريد الكتاب المقدس من كل صفات الصحة التاريخية، فيما عدا كتاب (أرمياء) (?)، ومع ذلك فنحن نريد أن نتحاشى مساوئ النقد الحديث للكتاب المقدس، الذي يبدو لنا أنه قد أخطأ في فهم طبيعة الموضوع بهذا التعميم المفرط للشك الديكارتي، والذي يؤدي غالباً إلى تفسير متعسف للحقائق النفسية التي هي الأساس في هذا الموضوع.