144 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ نَهْرًا فَاغْتَسَلَ فِيهِ , وَهُوَ لَا يَتَعَمَّدُ غُسْلَ الْجَنَابَةِ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ حَتَّى يَتَعَمَّدَهُ» قَالَ: «وَإِنْ صَلَّى رَأَيْتُ أَنْ يُعِيدَ» -[201]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَكَذَا كَانَ رَأْيُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: لَا يُجْزِيهِ وَعَلَيْهِ الْغُسْلُ , قَالَ: وَإِنْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةً , وَهُوَ لَا يَشْعُرُ فَتَيَمَّمَ , يُرِيدُ الْوُضُوءَ وَصَلَّى , ثُمَّ عَلِمَ بِالْجَنَابَةِ , لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ التَّيَمُّمُ , حَتَّى يَتَيَمَّمَ مُتَعَمِّدًا لِلْجَنَابَةِ , وَيُعِيدَ صَلَاتَهُ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ: الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ جَائِزَانِ , وَإِنْ -[202]- لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نِيَّةٌ , وَلَا أَحْسِبُهُ إِلَّا قَوْلَ سُفْيَانَ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ وَمَنِ احْتَجَّ لَهُمْ بِأَحَادِيثَ وَرَأْيٍ. فَمِنَ الْحَدِيثِ: مَا جَاءَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , وَإِبْرَاهِيمَ , وَعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ فِي الْجُنُبِ: أَنَّ مَا مَسَّ الْمَاءُ مِنْ جَسَدِهِ فَقَدْ طَهُرَ. وَحُجَّتُهُمْ مِنَ الرَّأْيِ , قَالُوا: الْمَاءُ هُوَ الطُّهُورُ نَفْسُهُ , فَإِذَا مَسَّ الْجِلْدَ , فَقَدْ قَضَى عَنْ صَاحِبِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ , فَمَا حَاجَتُهُ إِلَى النِّيَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا هَذَا الرَّجُلُ أَصَابَ جَسَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ أَذًى مِنْ عَذِرَةٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ دَمٍ فَغَسَلَهُ غَاسِلٌ سِوَاهُ , فَهُوَ مُجْزِيهِ عِنْدَ الْأُمَّةِ كُلِّهَا , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ نِيَّةٌ , فَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ. قَالَ: وَهَكَذَا أَيْضًا لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَبَى أَنْ يَتَوَضَّأَ فَأَخَذَهُ قَوْمٌ فَغَسَلُوا مَوَاضِعَ الْوُضُوءِ مِنْهُ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى الْكُرْهِ مِنْهُ , كَانَ ذَلِكَ مُطَهِّرٌ , وَقَالَ بَعْضُ مَنْ يُوَافِقُهُمْ: إِنَّمَا الْوَاجِبُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ الدَّيْنُونَةُ , لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَرَضَهُ عَلَى الْعِبَادِ لَا عَلَى نِيَّةٍ تُحَدَّدُ عِنْدَ التَّطَهُّرِ بِهِ , فَإِذَا مَسَّ الْمَاءُ الْبَشْرَةَ فَقَدْ طَهُرَتْ , ثُمَّ لَا يَنْقُضُ ذَلِكَ إِلَّا حَدَثٌ. وَقَالَ أَهْلُ الرَّأْيِ أَيْضًا: إِنَّمَا هَذِهِ السَّعَةُ فِي الْمَاءِ خَاصَّةً , فَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَلَا يَكُونُ أَبَدًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ , فَلَوْ عَلَّمَ رَجُلٌ رَجُلًا التَّيَمُّمَ مَا أَجْزَأَهُ حَتَّى يَنْوِيَهُ , -[203]- وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ , يَنْوِي بِهَا التَّطَوُّعَ , ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُحَوِّلَهَا إِلَى الْمَكْتُوبَةِ , هِيَ غَيْرُ جَازِيَةٍ عَنْهُ أَبَدًا , وَهَكَذَا الزَّكَاةُ عَلَى هَذَا الَّذِي اقْتَصَصْنَا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّ الَّذِي يُخْتَارُ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْحِجَازِ , فَلَا نَرَى أَحَدًا مِنَ النَّاسِ تَتِمُّ لَهُ طَهَارَةٌ فِي وُضُوءٍ وَلَا غُسْلٍ إِلَّا بِالتَّعَمُّدِ لَهُ , وَالْقَصْدِ إِلَيْهِ بِالنِّيَّةِ وَالْقَلْبِ , وَذَلِكَ لِحُجَجٍ مِنَ التَّنْزِيلِ وَالْآثَارِ وَالنَّظَرِ، فَمِنَ التَّنْزِيلِ: قَوْلُ اللَّهِ , تَعَالَى ذِكْرُهُ عُلُوًا كَبِيرًا: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} , فَأَخْبَرَ أَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَسْأَلُ عَمَّا أَحْدَثَتْ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ وَنَوَتْهُ. وَأَمَّا الْأَثَرُ: فَمَقَالَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى» . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: عَمَّ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا , وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهَا شَيْئًا , وَإِنَّ الطُّهُورَ -[204]- مِنْ أَكْبَرِ الْأَعْمَالِ وَأَجَلِّهَا , وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ , وَهُوَ قَدْ فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فَرْضًا حَتْمًا فِي تَنْزِيلِهِ , ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوُضُوءُ شَطْرُ الْإِيمَانِ» . وَقَالَ فِي ثَوَابِهِ وَحَطِّهِ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ , مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ , أَفَيَتَوَهَّمُ ذُو عَقْلٍ أَنْ يَنَالَ نَائِلٌ كُلَّ هَذِهِ الْفَضَائِلِ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةٍ وَلَا تَعَمُّدٍ لِلْقُرْبَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , كَالرَّجُلِ يُولَعُ بِالْمَاءِ عَابِثًا أَوْ مُتَلَذِّذًا، أَوْ كَالرَّجُلِ يَدْخُلُهُ سَابِحًا أَوْ مُتَبَرِّدًا , لَا يَخْطُرُ لَهُ التَّطَهُّرُ بِبَالٍ وَلَا يُجْزِئُ مِنْهُ عَلَى ذِكْرٍ , ثُمَّ يَكُونُ لَهُ هَذَا الثَّوَابُ الْجَزِيلُ , وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا لِفَرْضِهِ الَّذِي افْتَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ , هَذَا مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ , وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَرِطُ فِيهِ , وَيَقُولُ: «مَنْ تَوَضَّأَ كَمَا أُمِرَ كَانَ لَهُ كَذَا وَكَذَا» أَفَتَرَى هَذَا اللَّاعِبَ بِالْمَاءِ وَالْمُتَلَهِيَ بِهِ مُتَوَضِّئًا كَمَا أُمِرَ، وَبَالِغًا شَرْطَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَصِيرَ هُوَ الْمُتَحَرِّي لِطَاعَةِ اللَّهِ وَأَمْرهِ بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ سِيَّانٌ. فَأَمَّا مَا احْتَجَّ الْآخَرُونَ مِنَ الْحَدِيثِ وَالرَّأْيِ , فَكُلُّ ذَلِكَ لَهُ وُجُوهٌ , سَتَأْتِي بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. أَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا: «إِنَّ مَا مَسَّهُ الْمَاءُ مِنَ الْجَسَدِ فَقَدْ طَهُرَ» . فَلَيْسَ هَذَا مِنْ هَذَا , وَلَا هَذَا مِنْهُ , إِنَّمَا ذَلِكَ فِي تَفْرِيقِ الْغُسْلِ , نَقُولُ: إِذَا غَسَلَ الرَّجُلُ بَعْضَ جَسَدِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى يَجِفَّ بَقِيَّتُهُ , وَلَمْ يُعِدِ الْمَاءَ عَلَى الْأَوَّلِ , وَلَمْ يُخْبِرْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى غَيْرِ إِرَادَةٍ لِلْغُسْلِ , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَا قِيلَ لَهُ: قَدْ فَرَّقَ غُسْلَهُ , إِنَّمَا التَّفْرِيقُ فِي الشَّيْءِ: أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ عَلَى إِرَادَةٍ وَعَمْدٍ , لَا عَلَى الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْمَاءَ هُوَ الطَّهُورُ , وَمَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى نِيَّةٍ , فَإِنَّهُ يُقَالَ لَهُمْ: فَكَذَلِكَ الصَّعِيدُ النَّظِيفُ قَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ طَيِّبًا , فَأَيُّ طَهُورٍ تَكُونُ بَعْدَ -[205]- تَطْيِيبِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ إِيَّاهُ , ثُمَّ رَضِيَ بِهِ جَلَّ وَعَزَّ لِعِبَادِهِ مِنْهُ , بِأَقَلَّ مَا رَضِيَ بِهِ مِنَ الْمَاءِ حِينَ فَرَضَهُ عَلَى الْوُجُوهِ وَالْأَيْدِي وَالرَّأْسِ وَالْأَرْجُلِ , فَمَا بَالُهُ لَا يُجْزِئُ إِلَّا مَعَ عَقْدِ النِّيَّةِ , هَذَا مَا لَا وَجْهَ لَهُ نَعْلَمُهُ , وَأَمَّا الَّذِي يُشَبِّهُ الْوُضُوءَ بِالنَّجَاسَةِ تُصِيبُ الْجَسَدَ أَوِ الثَّوْبَ , فَإِنَّهُ عِنْدَنَا غَلَطٌ فِي التَّشْبِيهِ , لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ قَدْ فَرَضَ الْوُضُوءَ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَتَوَلُّوهُ بِجَوَارِحِهِمْ , إِلَّا مِنْ عُذْرٍ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] وَلَمْ يَقُلْ إِذَا أَصَابَكُمْ نَجَسٌ فَاغْسِلُوهُ. ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ طُهْرَ تِلْكَ النَّجَاسَةِ , إِنَّمَا هُوَ أَنْ تَزُولَ عَنْ مَوْضِعِهَا بِأَيِّ وَجْهٍ زَالَتْ , ثُمَّ كَذَلِكَ أَجْمَعُوا: أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اغْسِلْ عَنِّي هَذَا الْأَذَى فَفَعَلَ كَانَ طَاهِرًا , وَلَوْ قَالَ لَهُ: تَوَضَّأْ عَنِّي كَانَ بَاطِلًا , فَمَا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ ذَاكَ , وَمِمَّا يَزِيدُكَ تِبْيَانًا فِي بُعْدِ أَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ: أَنَّ رَجُلًا لَوْ تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ , ثُمَّ سَافَرَ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ , وَبِجَسَدِهِ نَجَاسَةٌ , وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مَاءٌ , يَغْسِلُهَا بِهِ , وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ , مَا لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ لَهَا , لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُطَهِّرُهَا , وَلِأَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ , وَلَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ , وَلَا نَجَاسَةَ بِجَسَدِهِ لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ , فَكَيْفَ يَلْتَقِي هَذَانِ الْأَصْلَانِ , وَقَدْ تَبَايَنَا هَذَا التَّبَايُنَ وَأَمَّا الَّذِي فِي الْوُضُوءِ مَقَالَتُهُ: إِنَّهُ يُجْزِئُهُ , فَإِنَّهُ يُقَالَ لَهُ: وَمَنْ يُعْطِيكَ أَنَّ ذَلِكَ الْوُضُوءَ كَافِيهِ , وَفِي أَيِّ شَيْءٍ اخْتَلَفْنَا إِذَنْ هَذَا عِنْدَنَا لَوْ مَكَثَ حَوْلًا أَوْ أَكْثَرَ , لَكَانَتْ عَلَيْهِ إِعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِمِثْلِ هَذَا الطَّهُورِ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ نَاوٍ لِلْوُضُوءِ. وَأَمَّا الْمُحْتَجُّ بِالدَّيْنُونَةِ: أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهَا فِي الطَّهُورِ خَاصَّةً , دُونَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْفَرَائِضِ , فَإِنَّهُ يُقَالَ لَهُ: وَمِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ أَتَاكَ هَذَا -[206]- التَّمْيِيزُ؟ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُّنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ , هَذَا لَيْسَ لِبَشَرٍ وَيُقَالَ لَهُ: أَيُّ فَرَائِضِ اللَّهِ وَنَوَافِلُهُ يَنْتَفِعُ بِهَا رَجُلٌ وَيَصِلُ إِلَى اللَّهِ مِنْ عَمَلِهِ شَيْءٌ , وَعَامِلُهُ لَا يَدِينُ لَهُ بِهِ , قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَهُ، حِينَ خَصَّصَّتَ الطَّهُورَ بِالدَّيْنُونَةِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ؟ أَمْ كَيْفَ يَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلًا مِنْ عَامِلٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُهُ بِهِ؟ هَذَا مَا لَا يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ فِي دِينِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ كُلَّ مُتَوَضِّئٍ وَمُغْتَسِلٍ , وَلَيْسَ بِمُرِيدٍ لِلتَّطَهُّرِ أَنَّهُ غَيْرُ طَاهِرٍ , لِأَنَّ اللَّهَ , تَعَالَى ذِكْرُهُ , جَعَلَ الطَّهُورَ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ , وَصَيَّرَهُ السَّبِيلَ إِلَيْهَا فَهِيَ مِنْهُ , وَهُوَ مِنْهَا , وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا , فَرْضُهَا عَلَى الْقُلُوبِ , كَفَرْضِهَا عَلَى الْجَوَارِحِ , وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ النَّافِلَةِ , أَوْ لِيُصَلِّيَ عَلَى جَنَازَةٍ , أَوْ تَوَضَّأَ لِيَذْكُرَ اللَّهَ عَلَى طَهَارَةٍ أَوْ لِيَنَامَ عَلَيْهَا , أَوْ تَوَضَّأَ لِيَكُونَ مُسْتَعِدًّا لِلصَّلَاةِ إِذَا حَضَرَتْ , أَوْ يَكُونَ مُسْتَعِدًّا لِلْوَفَاةِ , فَيَقُولُ: فَإِنَّنِي أُصَلِّي وَأَنَا طَاهِرٌ، فَإِنَّ هَذِهِ الْخِلَالَ كُلَّهَا عِنْدَنَا بَابٌ وَاحِدٌ , وَالطُّهْرُ فِيهَا مَاضٍ لِلصَّلَوَاتِ، الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا , لِأَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ بِهَا كُلَّهَا قَصْدَ التَّطَهُّرِ , فَإِيَّاهُ أَرَادَ , وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ هِيَ الَّتِي غُلِطَ عَلَيْنَا فِيهَا , فَظَنَّ -[207]- بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَلْزَمُنَا أنْ نَقُولَ: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَتَعَمَّدَ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ , وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أُولَئِكَ , لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا إِنَّمَا صَمَدُوا إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ , وَهُوَ الْقُرْبَةُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَلِيَكُنْ حَالُهُمْ خِلَافَ حَالِ الَّذِي لَيْسَ بِمُتَطَهِّرٍ , فَأَيْنَ هَؤُلَاءِ مِنَ اللَّاعِبِينَ بِالْمَاءِ عَلَى جِهَةِ التَّلَذُّذِ بِهِ , وَالْعَبَثِ بِهِ