الشَّرْعُ الْمُنَزَّلُ، وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَاتِّبَاعُ هَذَا الشَّرْعِ وَاجِبٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَنْهُ وَجَبَ قِتَالُهُ، وَتَدْخُلُ فِيهِ أُصُولُ الدِّينِ وَفُرُوعُهُ، وَسِيَاسَةُ الْأُمَرَاءِ وَوُلَاةُ الْمَالِ، وَحُكْمُ الْحَاكِمِ، وَمَشْيَخَةُ الشُّيُوخِ، وَوُلَاةُ الْحِسْبَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَكُلُّ هَؤُلَاءِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْكُمُوا بِالشَّرْعِ الْمُنَزَّلِ، وَلَا يَخْرُجُوا عَنْهُ.
الثَّانِي: الشَّرْعُ الْمُتَأَوَّلُ، وَهُوَ مَوْرِدُ النِّزَاعِ وَالِاجْتِهَادِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، فَمَنْ أَخَذَ بِمَا يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ أُقِرَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ مُوَافَقَتُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ لَا مَرَدَّ لَهَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ.
وَالثَّالِثُ: الشَّرْعُ الْمُبَدَّلُ، مِثْلُ مَا يَثْبُتُ بِشَهَادَاتِ الزُّورِ، وَيُحْكَمُ فِيهِ بِالْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، أَوْ يُؤْمَرُ فِيهِ بِإِقْرَارٍ بَاطِلٍ لِإِضَاعَةِ حَقٍّ، مِثْلَ تَعْلِيمِ الْمَرِيضِ أَنْ يُقِرَّ لِوَارِثٍ بِمَا لَيْسَ لَهُ، لِيُبْطِلَ بِهِ حَقَّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ حَرَامٌ، وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ مُحَرَّمَةٌ، وَالْحَاكِمُ إذَا عَرَفَ بَاطِنَ الْأَمْرِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْحَقِّ فَحَكَمَ بِهِ كَانَ جَائِرًا آثِمًا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ بَاطِنَ الْأَمْرِ لَمْ يَأْثَمْ، فَقَدْ قَالَ سَيِّدُ الْحُكَّامِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ «إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ بِنَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذُهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» .
33 - (فَصْلٌ)
فِي التُّهَمِ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الدَّعَاوَى، دَعَاوَى التُّهَمِ: وَهِيَ دَعْوَى الْجِنَايَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ كَدَعْوَى الْقَتْلِ، وَقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالْقَذْفِ، وَالْعُدْوَانِ.
فَهَذَا يَنْقَسِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، فَإِنَّ الْمُتَّهَمُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَرِيئًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ التُّهْمَةِ، أَوْ فَاجِرًا مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ لَا يَعْرِفُ الْوَالِي وَالْحَاكِمُ.
فَإِنْ كَانَ بَرِيئًا لَمْ تَجُزْ عُقُوبَتُهُ اتِّفَاقًا، وَاخْتَلَفُوا فِي عُقُوبَةِ الْمُتَّهَمِ لَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يُعَاقَبُ صِيَانَةً لِتَسَلُّطِ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْعُدْوَانِ عَلَى أَعْرَاضِ الْبُرَآءِ.
قَالَ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا أَدَبَ عَلَى الْمُدَّعِي إلَّا أَنْ يَقْصِدَ أَذِيَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَيَّبَهُ وَشَتَمَهُ، فَيُؤَدَّبُ.
وَقَالَ أَصْبَغُ: يُؤَدَّبُ، قَصَدَ أَذِيَّتَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ، وَهَلْ يَحْلِفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؟ فَإِنْ كَانَ