الطرق الحكميه (صفحة 100)

الْأَمْرَيْنِ. وَأَكَّدَتْ الْأَيْمَانُ بِكَوْنِهَا أَرْبَعًا، كَمَا أَكَّدَتْ أَيْمَانُ الْمُدَّعِينَ فِي الْقَسَامَةِ بِكَوْنِهَا خَمْسِينَ، وَلِتَقُومَ الْأَيْمَانُ مَقَامَ الشُّهُودِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ: أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالنُّكُولِ، وَلَا بِالرَّدِّ، وَلَكِنْ يُحْبَسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يُجِيبَ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ يَحْلِفُ مَعَهُ. وَهَذَا قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا أَدْعُهُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ.

وَاحْتَجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا الْإِقْرَارُ، وَإِمَّا الْإِنْكَارُ: فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ عُوقِبَ بِالْحَبْسِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ. قَالُوا: وَكُلُّ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ، فَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ، فَهَذَا سَبِيلُهُ. وَالْآخَرُونَ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَالُوا: لَوْ تُرِكَ وَنُكُولُهُ لَأَفْضَى إلَى ضَيَاعِ حُقُوقِ النَّاس بِالصَّبْرِ عَلَى الْحَبْسِ. فَإِذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ ضَعُفَ جَانِبُ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ فِيهِ، وَقَوِيَ جَانِبُ الْمُدَّعِي فَقَوِيَ عَنْ الْيَمِينِ. وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ لَمَّا قَوِيَ جَانِبُ الْمُدَّعِينَ لِلدَّمِ بِاللَّوْثِ بُدِئَ بِأَيْمَانِهِمْ، وَأَكَّدَتْ بِالْعَدَدِ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ عَلَى أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ مِنْ طُرُقِ الْحُكْمِ. وَهَذَا هُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَضَى بِهِ شُرَيْحٌ.

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ أَبَاهُ - عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ - بَاعَ عَبْدًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ بِالْبَرَاءَةِ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعَبْدِ خَاصَمَ فِيهِ ابْنَ عُمَرَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ: أَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتُهُ وَمَا بِهِ مِنْ دَاءٍ عَلِمْتَهُ، فَأَبَى ابْنُ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ ".

وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ الْحَارِثِ، قَالَ: " نَكَلَ رَجُلٌ عِنْدَ شُرَيْحٍ عَنْ الْيَمِينِ، فَقَضَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنَا أَحْلِفُ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: قَدْ قُضِيَ قَضَاؤُكَ ". وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالنُّكُولِ، بَلْ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَنْ الْمُدَّعِي. فَإِنْ حَلَفَ قَضَى لَهُ، وَإِلَّا صَرَفَهَا. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

فَرَوَى الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُد، عَنْ الشَّعْبِيِّ " أَنَّ الْمِقْدَادَ اسْتَقْرَضَ مِنْ عُثْمَانَ سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا تَقَاضَاهُ، قَالَ: إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَخَاصَمَهُ إلَى عُمَرَ. فَقَالَ الْمِقْدَادُ: أَحْلِفُ أَنَّهَا سَبْعَةُ آلَافٍ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أُنْصِفُكَ. فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ، فَقَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015