291 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ , عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ الطَّائِيِّ قَالَ: " كَانَ مِنْ خَبَرِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَإِسْلَامِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " مَا كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ أَشَدَّ كَرَاهَةً مِنِّي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ أَمِيرًا شَرِيفًا قَدْ سُدْتُ قَوْمِي، فَقُلْتُ: إِنِ اتَّبَعْتُهُ كُنْتُ ذَنَبًا، وَكُنْتُ نَصْرَانِيًّا أَرَى أَنِّي عَلَى دِينٍ , وَكُنْتُ أَسِيرُ عَلَى قَوْمِي بِالْمِرْبَاعِ، فَكُنْتُ مَلِكًا لِمَا يَصْنَعُ بِي قَوْمِي، وَمَا يَصْنَعُ بِي أَهْلُ دِينِي، فَلَمَّا سَمِعْتُ بِمُحَمَّدٍ كَرِهْتُهُ، وَقُلْتُ لِغُلَامٍ لِي، وَكَانَ عَرَبِيًّا رَاعِيًا لِإِبِلِي: أَعِدَّ لِي مِنْ إِبِلِي أَجْمَالًا ذُلُلًا سِمَانًا , احْبِسْهَا قَرِيبًا مِنِّي , لَا تَغْرُبْ بِهَا عَنِّي، فَإِذَا سَمِعْتَ بِجَيْشِ مُحَمَّدٍ قَدْ وَطِئَ هَذِهِ الْبِلَادَ فَآذِنِّي؛ فَإِنِّي أَرَى خَيْلَهُ قَدْ وَطِئَتْ بِلَادَ الْعَرَبِ كُلَّهَا. وَيُقَالُ: كَانَ لَهُ عَيْنٌ بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا سَمِعَ بِحَرَكَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَذَّرَهُ، قَالَ: فَلَبِثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ. -[643]- فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ غَدَاةٍ جَاءَنِي غُلَامٌ فَقَالَ: يَا عَدِيُّ، مَا كُنْتَ صَانِعًا إِذَا غَشِيَتْكَ خَيْلُ مُحَمَّدٍ فَاصْنَعْهُ الْآنَ؛ فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَايَاتٍ فَسَأَلْتُ عَنْهَا، فَقَالُوا: هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمَّدٍ. قُلْتُ: قَرِّبْ لِي أَجْمَالِي، فَقَرَّبَهَا، فَاحْتَمَلْتُ بِأَهْلِي وَوَلَدِي , ثُمَّ قُلْتُ: أَلْحَقُ بِأَهْلِ دِينِي مِنَ النَّصَارَى بِالشَّامِ، فَسَلَكْتُ الْجَوْشِيَّةَ مِنْ صَحْرَاءِ إِهَالَةَ , وَخَلَّفْتُ ابْنَةَ حَاتِمٍ فِي الْحَاضِرِ. فَلَمَّا قَدِمْنَا الشَّامَ أَقَمْتُ بِهَا، وَتَخَالَفَنِي خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْفُلْسِ يَهْدِمُهُ وَيَشِنُّ الْغَارَاتِ، فَخَرَجَ فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ , فَشَنُّوا الْغَارَةَ عَلَى مَحِلَّةِ آلِ حَاتِمٍ فِي الْفَجْرِ , فَأَصَابُوا نِسَاءً وَأَطْفَالًا وَشَاءً، وَلَمْ يُصِيبُوا مِنَ الرِّجَالِ أَحَدًا، وَأَصَابُوا ابْنَةَ حَاتِمٍ فِيمَنْ أَصَابُوا، فَقُدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَايَا مِنْ طَيء، وَقَدْ بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَرَبِي إِلَى الشَّامِ، فَجُعِلَتِ ابْنَةُ حَاتِمٍ فِي حُضَيْرَةٍ بِبَابِ الْمَسْجِدِ كُنَّ النِّسَاءُ يُحْبَسْنَ فِيهَا، فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَمِيلَةً جَزْلَةً , فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْوَالِدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ , فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. قَالَ: «مَنْ وَافِدُكِ؟» قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ: «الْفَارُّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» قَالَتْ: -[644]- وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَنِي، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ مَرَّ بِي , فَقُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ الْغَدِ , مَرَّ بِي وَقَدْ يَئِسْتُ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، فَأَشَارَ إلَيَّ رَجُلٌ خَلْفَهُ: أَنْ قُومِي فَكَلِّمِيهِ، قَالَتْ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْوَالِدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ، فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنِّي قَدْ فَعَلْتُ، وَلَا تَعْجَلِي بِخُرُوجٍ حَتَّى تَجِدِي مِنْ قَوْمِكِ مَنْ يَكُونُ لَكِ ثِقَةً , حَتَّى يُبْلِغَكِ إِلَى بِلَادِكِ , ثُمَّ آذِنِينِي» قَالَتْ: وَسَأَلْتُ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيَّ أَنْ كَلِّمِيهِ، فَقِيلَ لِي: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَمَا تَعْرِفِينَهُ؟ هُوَ الَّذِي سَبَاكِ. قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سُبِيتُ أَلْقَيْتُ الْبُرْقُعَ عَلَى وَجْهِي، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا حَتَّى دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ، قَالَتْ: وَأَقَمْتُ حَتَّى قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ قُضَاعَةَ، قَالَتْ: وَإِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ آتِيَ أَخِي بِالشَّامِ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: قَدْ جَاءَنِي مِنْ قَوْمِي مَنْ لِي ثِقَةٌ وَبَلَاغٌ، قَالَتْ: فَكَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَمَلَنِي وَأَعْطَانِي نَفَقَةً، وَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ. قَالَ عَدِيُّ: فَوَاللَّهِ إِنِّي لَقَاعِدٌ فِي أَهْلِي، إِذْ نَظَرْتُ إِلَى ظَعِينَةٍ تُصَوِّبُ إِلَيَّ، تَؤُمُّنَّا , فَقُلْتُ: ابْنَةُ حَاتِمٍ، قَالَ: فَإِذَا هِيَ هِيَ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَتْ عَلَيَّ انْسَحَلَتْ تَقُولُ: الْقَاطِعُ، الظَّالِمُ، احْتَمَلْتَ بِأَهْلِكِ وَوَلَدِكَ وَتَرَكْتَ بَقِيَّةَ وَالِدِكَ. قَالَ: قُلْتُ: يَا أُخَيَّةُ، لَا تَقُولِي إِلَّا خَيْرًا , فَوَاللَّهِ مَالِي مِنْ عُذْرٍ، قَدْ صَنَعْتُ مَا ذَكَرْتِ، قَالَ: ثُمَّ نَزَلَتْ فَأَقَامَتْ عِنْدِي , فَقُلْتُ لَهَا: مَا تَرَيْنَ فِي أَمَرِ هَذَا الرَّجُلِ؟ وَكَانَتِ امْرَأَةً حَازِمَةً، قَالَتْ: أَرَى وَاللَّهِ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ سَرِيعًا، فَإِنْ يَكُنِ الرَّجُلُ نَبِيًّا فَالسَّبْقُ إِلَيْهِ أَفْضَلُ، وَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا فَلَنْ تَذِلَّ فِي عِزِّ الْيَمَنِ، وَأَنْتَ أَنْتَ , وَأَبُوكَ أَبُوكَ، مَعَ أَنِّي نُبِّئْتُ أَنَّ عِلْيَةَ أَصْحَابِهِ قَوْمُكَ , الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ. -[645]- قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدُمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَسْجِدِهِ، فَسَلَّمْتُ، فَقَالَ: «مَنِ الرَّجُلُ؟» , فَقُلْتُ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ: فَانْطَلَقَ بِي إِلَى بَيْتِهِ، إِذْ لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ كَبِيرَةٌ فَاسْتَوْقَفَتْهُ، فَوَقَفَ لَهَا طَوِيلًا تُكَلِّمُهُ فِي حَاجَتِهَا، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللَّهِ مَا هَذَا بِمَلِكٍ، إِنَّ لِلْمَلِكِ لَحَالًا غَيْرَ هَذَا. ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ تَنَاوَلَ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوَّةً لِيفًا , فَقَدَّمَهَا إِلَيَّ , فَقَالَ: اجْلِسْ عَلَى هَذِهِ. فَقُلْتُ: لَا، بَلْ أَنْتَ فَاجْلِسْ عَلَيْهَا. فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا، فَجَلَسَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَى فِي عُنُقِي وَثَنًا مِنْ ذَهَبٍ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَيْسَ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ» ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ» . قَالَ: " إِيهًا يَا عَدِيُّ، أَلَمْ تَكُنْ رَكُوسِيًّا؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: «أَوَلَمْ تَكُنْ تَسِيرُ فِي قَوْمِكَ بِالْمِرْبَاعِ؟» قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَكَ فِي دِينِكَ» قَالَ: قُلْتُ: أَجَلْ وَاللَّهِ، قَالَ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ نَبِيُّ مُرْسَلٌ يَعْرِفُ مَا نَجْهَلُ. ثُمَّ قَالَ: «لَعَلَّكَ يَا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ إِنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنَ الدُّخُولِ فِي هَذَا الدِّينِ مَا تَرَى مِنْ حَاجَتِهِمْ، فَوَاللَّهِ لَيُوشِكَنَّ الْمَالُ يَفِيضُ فِيهِمْ حَتَّى لَا يُوجَدُ مَنْ يَأْخُذُهُ، وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا يَمْنَعُكُ مَا تَرَى مِنْ كَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ، فَوَاللَّهِ لَيُوشِكَنَّ يُسْمَعُ بِالْمَرْأَةِ تَخْرُجُ مِنَ الْقَادِسِيَّةِ عَلَى بَعِيرٍ حَتَّى تَزُورَ هَذَا الْبَيْتَ لَا تَخَافُ، وَلَعَلَّكَ إِنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنَ الدُّخُولِ فِيهِ أَنَّ الْمُلْكَ وَالسُّلْطَانَ فِي غَيْرِهِمْ، وَأَيْمُ اللَّهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يُسْمَعَ بِالْقُصُورِ الْبِيضِ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ» . فَقَالَ عَدِيُّ: فَأَسْلَمْتُ، فَكَانَ عَدِيُّ يَقُولُ: قَدْ مَضَتِ اثْنَتَانِ وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ: لَيَفِيضَنَّ الْمَالُ حَتَّى لَا يُوجَدُ مَنْ يَأْخُذُهُ "