فَإِنِّي لَا أَرَى فِي الْقَوْمِ كُفْؤًا لِأَبِي غَيْرَهُمْ، فَقَالَ وَحْشِيُّ: أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ أَصْحَابَهُ لَنْ يُسْلِمُوهُ، وَأَمَّا حَمْزَةُ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ نَائِمًا مَا أَيْقَظْتُهُ مِنْ هَيْبَتِهِ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَدْ كُنْتُ أَلْتَمِسُهُ. قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِي النَّاسِ أَلْتَمِسُ عَلِيًّا، إِلَى أَنْ طَلَعَ عَلَيَّ , فَطَلَعَ رَجُلٌ حَذِرٌ مَرِسٌ كَثِيرُ الِالْتِفَاتِ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا هَذَا صَاحِبِي الَّذِي أَلْتَمِسُ، إِذْ رَأَيْتُ حَمْزَةَ يَفْرِي النَّاسَ فَرْيًا، فَكَمَنْتُ لَهُ صَخْرَةً وَهُوَ مُكَبِّسٌ لَهُ كَتِيتٌ، فَاعْتَرَضَ لَهُ سِبَاعُ بْنُ أَنْمَارٍ , وَكَانَتْ أُمُّهُ خَتَّانَةٌ بِمَكَّةَ , مَوْلَاةُ شَرِيقِ بْنِ عِلَاجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ، وَكَانَ سِبَاعٌ يُكْنَى أَبَا نِيَارٍ، فَقَالَ: وَأَنْتَ أَيْضًا يَا ابْنَ مُقَطَّعَةَ الْبُظُورِ مِمَّنْ يُكْثِرُ عَلَيْنَا، هَلُمَّ إِلَيَّ، فَاحْتَمَلَهُ حَتَّى إِذَا بَرَقَتْ قَدَمَاهُ , رَمَى بِهِ، فَبَرَكَ عَلَيْهِ فَشَحَطَهُ شَحْطَ الشَّاةِ. ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيَّ مُكَبِّسًا حِينَ رَآنِي فَلَمَّا بَلَغَ الْمَسِيلَ وَطِئَ عَلَى جُرُفٍ فَزَلَّتْ قَدَمُهُ، فَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتَّى رَضِيتُ مِنْهَا، فَأَضْرِبَ بِهَا فِي خَاصِرَتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ مَثَانَتِهِ، وَكَرَّ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَسْمَعُهُمْ يَقُولُونَ: أَبَا عُمَارَةَ، فَلَا يُجِيبُ، فَقُلْتُ: قَدْ وَاللَّهِ مَاتَ الرَّجُلُ، وَذَكَرْتُ وَجْدَ هِنْدَ عَلَى أَبِيهَا وَعَمِّهَا وَأَخِيهَا، وَتَكَشَّفَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ حِينَ أَيْقَنُوا بِمَوْتِهِ , وَلَا يَرَوْنِي , فَأَكِرُّ عَلَيْهِ , فَشَقَقْتُ بَطْنَهُ , فَأَخْرَجْتُ كَبِدَهُ , فَجِئْتُ بِهَا إِلَى هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ، فَقُلْتُ: مَاذَا لِي إِنْ قَتَلْتُ قَاتِلَ أَبِيكِ؟ قَالَتْ: سَلَبِي، فَقُلْتُ: هَذِهِ كَبِدُ حَمْزَةَ، فَأَخَذَتْهَا فَمَضَغَتْهَا ثُمَّ لَفِظَتْهَا، فَلَا أَدْرِي لَمْ تُسِغْهَا أَوْ قَذَرَتْهَا، فَنَزَعَتْ ثِيَابَهَا وُحُلِيَّهَا فَأَعْطَتْنِيهِ، ثُمَّ قَالَتْ: إِذَا جِئْتَ مَكَّةَ فَلَكَ عَشْرَةُ دَنَانِيرٍ.