99 - قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَهْلِهِ، قَالُوا: قَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: " كُنْتُ أُعَالِجُ الْبَزَّ وَالْبُرَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكُنْتُ رَجُلًا تَاجِرًا أَخْرُجُ إِلَى الْيَمَنِ وَإِلَى الشَّامِ فِي الرِّحْلَتَيْنِ، فَكُنْتُ أَرْبَحُ أَرْبَاحًا كَثِيرَةً، فَإِذَا رَبِحْتُ عُدْتُ عَلَى فُقَرَاءِ قَوْمِي وَنَحْنُ لَا نَعْبُدُ شَيْئًا، أُرِيدُ بِذَلِكَ ثَرَاءَ الْأَمْوَالِ وَالْمَحَبَّةَ فِي الْعَشِيرَةِ، وَكُنْتُ أَحْضُرُ الْأَسْوَاقَ، وَكَانَتْ لَنَا ثَلَاثَةُ أَسْوَاقٍ: سُوقٌ بِعُكَاظٍ يَقُومُ صُبَيْحَ لَيْلَةِ -[226]- هِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ عِشْرِينَ يَوْمًا وَيَحْضُرُهَا الْعَرَبُ، وَبِهَا ابْتَعْتُ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ لِعَمَّتِي خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ، فَأَخَذْتُهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا تَزَوَّجَ -[227]- رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ سَأَلَهَا زَيْدًا فَوَهَبَتْهُ لَهُ، فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِهَا ابْتَعْتُ حُلَّةَ ذِي يَزَنَ فَكَسَوْتُهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ أَجْمَلَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحُلَّةِ. وَيُقَالُ إِنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَدِمَ بِالْحُلَّةِ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ يُرِيدُ الشَّامَ فِي عِيرٍ، فَأَرْسَلَ بِالْحُلَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْبَلَهَا وَقَالَ: «لَا أَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ» . قَالَ حَكِيمٌ: فَجَزِعْتُ جَزَعًا شَدِيدًا حَيْثُ رَدَّ هَدِيَّتِي، فَخَرَجْتُ فَبِعْتُهَا بِسُوقِ النَّبَطِ مِنْ أَوَّلِ سَائِمٍ سَامَنِي، وَدَسَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَاشْتَرَاهَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا بَعْدَهُ. قَالَ: وَكَانَ سُوقُ مَجَنَّةَ يَقُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ حَتَّى إِذَا رَأَيْنَا هِلَالَ ذِي الْحِجَّة -[228]- ِ انْصَرَفْنَا إِلَى سُوقِ ذِي الْمَجَازِ فَتَقُومُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَسْوَاقِ أَلْقَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوَاسِمِ يَسْتَعْرِضُ الْقَبَائِلَ قَبِيلَةً قَبِيلَةً، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَلَا أَرَى أَحَدًا يَسْتَجِيبُ لَهُ، وَأُسْرَتُهُ أَشَدُّ الْقَبَائِلِ عَلَيْهِ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ لَهُ قَوْمًا أَرَادَ بِهِمْ كَرَامَتَهُ، هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَبَايَعُوهُ وَصَدَّقُوا بِهِ، وَآمَنُوا بِهِ، وَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ لَهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ دَارَ هِجْرَةٍ وَمَلْجَأً، وَسَبَقَ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَ مُحَمَّدًا بِالنُّبُوَّةِ وَرَزَقَهُ اللَّهُ دَارَ هِجْرَةٍ. فَحَجَّ مُعَاوِيَةُ فَسَامَنِي بِدَارِي بِمَكَّةَ، فَبِعْتُهَا مِنْهُ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: مَا يَدْرِي هَذَا الشَّيْخُ مَا بَاعَ، لَيَرُدَّنَّ عَلَيْهِ بَيْعَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا ابْتَعْتُهَا إِلَّا بَزِقٍّ مِنْ خَمْرٍ، وَلَقَدْ وَصَلْتُ الرَّحِمَ، وَحَمَلْتُ الْكَلَّ، وَأُعْطِيتُ فِي السَّبِيلِ. -[229]- وَكَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ يَشْتَرِي الظَّهْرَ وَالْأَدَاةَ وَالزَّادَ ثُمَّ لَا يَجِيئُهُ أَحَدٌ يَسْتَحْمِلُهُ فِي السَّبِيلِ إِلَّا حَمَلَهُ. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ جُلُوسًا إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَطْلُبُ حِمْلَانًا يُرِيدُ الْجِهَادَ قَالَ: فَدُلَّ عَلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ بَعِيدُ الشُّقَّةِ، وَقَدْ أَرَدْتُ الْجِهَادَ فَدُلِلْتُ عَلَيْكَ لِتَحْمِلَ رِجْلَيَّ وَتُعِينَنِي عَلَى ضَعْفِي. قَالَ: اجْلِسْ، فَلَمَّا أَمْكَنَتْهُ الشَّمْسُ وَارْتَفَعَتْ رَكَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ انْصَرَفَ، وَأَوْمَأَ إِلَى الْيَمَانِيِّ. قَالَ: فَتَبِعْتُهُ فَجَعَلَ كُلَّمَا مَرَّ بِصُوفَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ شَمْلَةٍ نَفَضَهَا وَأَخَذَهَا، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا زَادَ الَّذِي دَلَّنِي عَلَى هَذَا أَنْ لَعِبَ بِي، أَيُّ شَيْءٍ عِنْدَ هَذَا مِنَ الْخَيْرِ بَعْدَ مَا أَرَى؟ قَالَ: فَدَخَلَ دَارَهُ فَأَلْقَى الصُّوفَةَ مَعَ الصُّوفِ، وَالْخِرْقَةَ مَعَ الْخِرَقِ، وَالشَّمْلَةَ مَعَ الشِّمَالِ، ثُمَّ قَالَ لِغُلَامٍ لَهُ: هَاتِ بَعِيرًا ذَلُولًا مُوَقَّعًا. قَالَ: فَأُتِيَ بِهِ ذَلُولًا مُوَقَّعًا سَنَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِجِهَازٍ فَشَدَّهُ عَلَى الْبَعِيرِ، ثُمَّ دَعَا بِخِطَامٍ فَخُطِمَ، ثُمَّ قَالَ: هَلُمَّ جَوَالِقَيْنِ. قَالَ: فَأُتِيَ بِجَوَالِقَيْنِ، فَأَمَرَ فَجُعِلَ فِيهِمَا دَقِيقٌ وَسَوِيقٌ وَعُكَّةٌ مِنْ زَيْتٍ، وَقَالَ انْظُرْ مِلْحًا وَجِرَابًا مِنْ تَمْرٍ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مُسَافِرٌ إِلَّا هَيَّأَهُ، -[230]- أَعْطَانِيهِ وَكَسَانِي، ثُمَّ دَعَا بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَدَفَعَهَا إِلَيَّ فَقَالَ: هَذِهِ لِلطَّرِيقِ. قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَكَانَ هَذَا فِعْلَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ. وَكَانَ مُعَاوِيَةُ عَامَ حَجَّ مَرَّ بِهِ، وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِلَقُوحٍ يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَأَلُهُ أَيُّ الطَّعَامِ تَأْكُلُ؟ فَقَالَ: أَمَّا مَضْغٌ فَلَا مَضَغَ فِي. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِاللَّقُوحِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِصِلَةٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا وَقَالَ: لَمْ آخُذْ مِنْ أَحَدٍ قَطُّ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، قَدْ دَعَانِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إِلَى حَقِّي فَأَبَيْتُ أَنْ آخُذَهُ، وَذَلِكَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، مَنْ أَخَذَهَا بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهَا، وَمَنْ أَخَذَهَا بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ» . فَقُلْتُ يَوْمَئِذٍ: لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا أَبَدًا. قَالَ: وَكُنْتُ رَجُلًا مَجْدُودًا فِي التِّجَارَةِ، مَا بِعْتُ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا رَبِحْتُ فِيهِ، وَلَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَبْعَثُ بِالْأَمْوَالِ وَأَبْعَثُ بِمَالِي، فَرُبَّمَا دَعَانِي بَعْضُهُمْ أَنْ يُخَالِطَنِي بِنَفَقَتِهِ، يُرِيدُ بِذَلِكَ الْجَدَّ فِي مَالِي، وَذَلِكَ أَنِّي كُلَّمَا رَبِحْتُ تَحَنَّثْتُ بِهِ أَوْ بِعَامَّتِهِ؛ أُرِيدُ بِهِ ثَرَاءِ الْمَالِ وَالْمَحَبَّةَ فِي الْعَشِيرَةِ "