المفارقات أن ترى الشخص الذي حفظ لنا الصفات الخلفية والخلقية وأدق المظاهر أحياناً عن حياة الأشخاص، لا يجد من يكتب عنه ترجمة موضحة.
فكل ما لدينا عنه أنه ولد سنة 168هـ؟. بالبصرة، فنسب إليها، وارتحل إلى بغداد وأقام فيها ملازماً لأستاذه الواقدي يكتب له، حتى عرف باسم " كاتب الواقدي ". وكانت له رحلة إلى المدينة والكوفة، ولا ريب في أن رحلته إلى المدينة تمت قبل سنة 200هـ؟، فهو يذكر أنه لقي فيها بعض الشيوخ عام 189 كما أن أكثر الذين روى عنهم من أهلها أدركتهم المنية قبل مطلع القرن الثالث. وقد كان أحد أجداده مولى لبني هاشم، ولكن ابن سعد نفسه كان قد تحلل من عهدة الولاء، وفي نسبته أنه زهري، وهي نسبة غريبة بعدما صرحت الروايات بولاء أهله لبني هاشم.
وفي أثناء حله وترحاله، كان شغله الشاغل هو لقاء الشيوخ وكتابة الحديث وجمع الكتب، ولذلك اتصل بأعلام عصره من المحدثين فروى عنهم وقيد مروياته، وأفاد منها في تصنيف كتبه حتى وصف بأنه كان كثير العلم، كثير الحديث والرواية، كثير الكتب. وهذا الخبر قد يدل على أن نشاطه لم يقف به عند تأليف الطبقات، وعلى سعة باعه في نواحٍ علمية كثيرة فإن المصادر لم تذكر له من المؤلفات إلا كتابين آخرين - عدا الطبقات الكبير - وهما كتاب الطبقات الصغير، وهو مستخرج من المؤلف الأول، وكتاب أخبار النبي - وهو الكتاب الوحيد الذي ذكره ابن النديم - وربما لم يكن شيئاً سوى الجزأين الأولين من الطبقات الكبير، أي أن الكتب الثلاثة في حقيقتها كتاب واحد، وتسكت المصادر عما سوى ذلك من مؤلفات.
ونستطيع أن نقول إن محمد بن سعد كان على اتصال بأكبر رجال الحديث في عصره، سواء أكانوا شيوخاً أم تلامذة. ومن يطلع على الطبقات