قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ الْأَسْلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ الْكَعْبِيُّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ -[91]- الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ قَالُوا: كَانَ النَّجَاشِيُّ قَدْ وَجَّهَ أَرْيَاطَ أَبَا أَصْحَمَ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ إِلَى الْيَمَنِ فَأَدَاخَهَا وَغَلَبَ عَلَيْهَا فَأَعْطَى الْمُلُوكَ وَاسْتَذَلَّ الْفُقَرَاءَ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهُ: أَبْرَهَةُ الْأَشْرَمُ أَبُو يَكْسُومَ فَدَعَا إِلَى طَاعَتِهِ فَأَجَابُوهُ فَقَتَلَ أَرْيَاطَ وَغَلَبَ عَلَى الْيَمَنِ، فَرَأَى النَّاسَ يَتَجَهَّزُونَ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ لِلْحَجِّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامَ فَسَأَلَ أَيْنَ يَذْهَبُ النَّاسُ؟ فَقَالَ: يَحُجُّونَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ بِمَكَّةَ قَالَ: مِمَّ هُوَ؟ قَالُوا: مِنْ حِجَارَةٍ، قَالَ: وَمَا كِسْوَتُهُ؟ قَالُوا: مَا يَأْتِي مِنْ هَهُنَا، الْوَصَائِلُ، قَالَ: وَالْمَسِيحِ لَأَبْنِيَنَّ لَكُمْ خَيْرًا مِنْهُ، فَبَنَى لَهُمْ بَيْتًا عَمِلَهُ بِالرُّخَامِ الْأَبْيَضِ وَالْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ وَالْأَسْوَدِ، وَحَلَّاهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَحَفَّهُ بِالْجَوْهَرِ، وَجَعَلَ لَهُ أَبْوَابًا عَلَيْهَا صَفَائِحُ الذَّهَبِ وَمَسَامِيرُ الذَّهَبِ وَفَصَلَ بَيْنَهَا بِالْجَوْهَرِ، وَجَعَلَ فِيهَا يَاقُوتَةً حَمْرَاءَ عَظِيمَةً، وَجَعَلَ لَهُ حِجَابًا، وَكَانَ يُوقِدُ فِيهِ بِالْمَنْدَلِيِّ وَيُلَطِّخُ جَدْرَهُ بِالْمِسْكِ فَيَسْوَدُّ حَتَّى يَغِيبَ الْجَوْهَرُ، وَأَمَرَ النَّاسَ فَحَجُّوهُ فَحَجَّهُ كَثِيرٌ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ سِنِينَ، وَمَكَثَ فِيهِ رِجَالٌ يَتَعَبَّدُونَ وَيَتَأَلَّهُونَ وَنَسَكُوا لَهُ، وَكَانَ نُفَيْلٌ الْخَثْعَمِيُّ يُوَرِّضُ لَهُ مَا يَكْرَهُ، فَأُمْهِلَ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي لَمْ يَرَ أَحَدًا يَتَحَرَّكُ، فَقَامَ فَجَاءَ بِعُذْرَةٍ فَلَطَّخَ بِهَا قِبْلَتَهُ، وَجَمَعَ جِيَفًا فَأَلْقَاهَا فِيهِ، فَأُخْبِرَ أَبْرَهَةُ بِذَلِكَ فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: إِنَّمَا فَعَلَتْ هَذَا الْعَرَبُ غَضَبًا لِبَيْتِهِمْ، لَأَنْقُضَنَّهُ حَجَرًا حَجَرًا، وَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، وَيَسْأَلَهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِفِيلِهِ مَحْمُودٍ، وَكَانَ فِيلًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ فِي الْأَرْضِ عِظَمًا وَجِسْمًا وَقُوَّةً، فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ الْفِيلُ سَارَ أَبْرَهَةُ بِالنَّاسِ وَمَعَهُ مَلِكُ حِمْيَرَ وَنُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيُّ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحَرَمِ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْغَارِةِ عَلَى نَعَمِ النَّاسِ فَأَصَابُوا إِبِلًا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَ نُفَيْلٌ صَدِيقًا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ -[92]- فَكَلَّمَهُ فِي إِبِلِهِ، فَكَلَّمَ نُفَيْلٌ أَبْرَهَةَ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ قَدْ أَتَاكَ سَيِّدُ الْعَرَبِ وَأَفْضَلُهُمْ وَأَعْظَمُهُمْ شَرَفًا يَحْمِلُ عَلَى الْجِيَادِ وَيُعْطِي الْأَمْوَالَ وَيُطْعِمُ مَا هَبَّتِ الرِّيحُ، فَأَدْخَلَهُ عَلَى أَبْرَهَةَ فَقَالَ لَهُ: حَاجَتُكَ؟ قَالَ: تَرُدُّ عَلَيَّ إِبِلِي، قَالَ: مَا أَرَى مَا بَلَغَنِي عَنْكَ إِلَّا الْغُرُورُ، وَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُكَلِّمُنِي فِي بَيْتِكُمْ هَذَا الَّذِي هُوَ شَرَفُكُمْ، قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: ارْدُدْ عَلَيَّ إِبِلِي وَدُونَكَ وَالْبَيْتَ، فَإِنَّ لَهُ رَبًّا سَيَمْنَعُهُ، فَأَمَرَ بِرَدِّ إِبِلِهِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَبَضَهَا قَلَّدَهَا النِّعَالَ وَأَشْعَرَهَا وَجَعَلَهَا هَدْيًا وَبَثَّهَا فِي الْحَرَمِ لِكَيْ يُصَابَ مِنْهَا شَيْءٌ فَيَغْضَبَ رَبُّ الْحَرَمِ، وَأَوْفَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَلَى حِرَاءٍ وَمَعَهُ عَمْرُو بْنُ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ وَمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَأَبُو مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ:

[البحر الكامل]

لَاهُمَّ إِنَّ الْمَرْءَ يَمْنَعُ رَحْلَهُ ... فَامْنَعْ حِلَالَكْ

لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ ... وَمِحَالُهُمْ غَدْوًا مِحَالَكَ

إِنْ كُنْتَ تَارِكَهُمْ وَقِبْلَتَنَا ... فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكَ

قَالَ: فَأَقْبَلَتِ الطَّيْرُ مِنَ الْبَحْرِ أَبَابِيلَ مَعَ كُلِّ طَائِرٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ: حَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ وَحُجْرٌ فِي مِنْقَارَهِ، فَقَذَفَتِ الْحِجَارَةَ عَلَيْهِمْ لَا تُصِيبُ شَيْئًا إِلَّا هَشَمَتْهُ، وَإِلَّا نَفِطَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا كَانَ الْجُدَرِيُّ وَالْحَصْبَةُ وَالْأَشْجَارُ الْمُرَّةُ فَأَهْمَدَتْهُمُ الْحِجَارَةُ، وَبَعَثَ اللَّهُ سَيْلًا أَتِيًّا فَذَهَبَ بِهِمْ فَأَلْقَاهُمْ فِي الْبَحْرِ، قَالَ: وَوَلَّى أَبْرَهَةُ وَمَنْ بَقِيَ مَعَهُ هُرَّابًا، فَجَعَلَ أَبْرَهَةُ يَسْقُطُ عُضْوًا عُضْوًا، وَأَمَّا مَحْمُودٌ الْفِيلُ فِيلُ النَّجَاشِيِّ فَرَبَضَ وَلَمْ يَشْجُعْ عَلَى الْحَرَمِ فَنَجَا، وَأَمَّا الْفِيلُ الْآخَرُ فَشَجُعَ، فَحُصِبَ، وَيُقَالُ: كَانَتْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فِيلًا، وَنَزَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مِنْ حِرَاءٍ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ مِنَ الْحَبَشَةِ فَقَبَّلَا رَأْسَهُ، وَقَالَا لَهُ: أَنْتَ كُنْتَ أَعْلَمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015