كتاب ابن سعد يدخل في " أسد الغابة " دخولاً غير مباشر، ولكن إغفال ابن الأثير له أمر يستوقف النظر.
غير أن طبقات ابن سعد، مع ذلك كله، مصدر هام عند ابن عساكر في كتابه " تاريخ دمشق " ومصدر هام في " تاريخ الإسلام " للذهبي وفي " تجريد أسماء الصحابة " و " سير أعلام النبلاء " ومعتمد في " الإصابة " و " تهذيب التهذيب " لابن حجر. وينقل عنه ابن كثير في تاريخه ويصرح ابن تغري بردي بقوله: " ونقلنا عنه كثيراً في هذا الكتاب " - أي كتاب النجوم الزاهرة - وكذلك كان مرجعاً لمن كتبوا في السيرة من المتأخرين كالمقريزي في " إمتاع الأسماع "، ولكثير من الكتب في الرجال.
وقد وصلنا هذا الكتاب برواية الحارث بن أبي اسامة لبعضه، والحسين ابن فهم لبعضه الآخر - كلاهما يرويه عن ابن سعد - ونحن نعلم أن الأول منهما له رواية مباشرة عن الواقدي نفسه. ثم تنقسم هذه الرواية فيأخذ أبو أيوب سليمان بن إسحاق الحلاب عن الحارث، ويأخذ أبو الحسن أحمد بن معروف الخشاب عن ابن فهم، وتعود الروايتان فتجتمعان عند أبي الحسن ابن حيويه الخزاز وتتسلسل الرواية من بعد ذلك خلال عدد من الرواة حتى تصل إلى محدث الشام ومسنده شمس الدين أبي الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي ومنه إلى شرف الدين محمد بن عبد المؤمن الدمياطي.
ومنذ سنة 1903 عمل في نشر هذا الكتاب جماعة من العلماء الألمان فأشرف عليه سخاو وعانه فيه هوروفنز ومنوخ وبروكلمان وشوالي ولبرت وميسنر وسترستين، وكان اعتمادهم على مخطوطات خمس وجدوها، فجاء عملهم في حدود الإمكانات التي توفرت لهم جيداً مضبوطاً دقيقاً. فإعادة طبع هذا الكتاب اليوم عمل هام ضروري، غايته تقريبه من أيدي الدارسين وتسهيل وصوله إليهم، ففي صفحاته كنز لا ينضب من المعرفة لمن شاء أن يدرس سيرة الرسول وحياة القرنين الأولين من تاريخ الإسلام، وهو المنيع الذي