الأَعْصَمِ الْيَهُودِيَّ سَحَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى الْتَبَسَ بَصَرُهُ وَعَادَهُ أَصْحَابُهُ. ثُمَّ إن جبريل. ع. وَمِيكَائِيلَ أَخْبَرَاهُ فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتَرَفَ فَاسْتَخْرَجَ السِّحْرَ مِنَ الْجُبِّ مِنْ تَحْتِ الْبِئْرِ ثُمَّ نَزَعَهُ فَحَلَّهُ فَكُشِفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَفَا عَنْهُ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنِي أَبُو مَرْوَانَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَدَخَلَ الْمُحَرَّمُ.
جَاءَتْ رُؤَسَاءُ يَهُودَ الَّذِينَ بَقُوا بِالْمَدِينَةِ مِمَّنْ يُظْهِرُ الإِسْلامَ وَهُوَ مُنَافِقٌ إِلَى لَبِيدِ بْنِ الأَعْصَمِ الْيَهُودِيِّ. وَكَانَ حَلِيفًا فِي بَنِي زُرَيْقٍ. وَكَانَ سَاحِرًا قَدْ عَلِمَتْ ذَلِكَ يَهُودُ أَنَّهُ أَعْلَمُهُمْ بِالسِّحْرِ وَبِالسَّمُومِ. فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا الأَعْصَمِ أَنْتَ أَسْحَرُ مِنَّا وَقَدْ سَحَرْنَا مُحَمَّدًا فَسَحَرَهُ مِنَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَلَمْ نَصْنَعْ شَيْئًا. وَأَنْتَ تَرَى أَثَرَهُ فِينَا وَخِلافَهُ دِينَنَا وَمَنْ قَتَلَ مِنَّا وَأَجْلَى. وَنَحْنُ نَجْعَلُ لَكَ عَلَى ذَلِكَ جُعْلا عَلَى أَنْ تَسْحَرَهُ لَنَا سِحْرًا يَنْكَؤُهُ.
فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ يَسْحَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَمَدَ إِلَى مُشْطٍ وَمَا يُمْشَطُ مِنَ الرَّأْسِ مِنَ الشَّعْرِ فَعَقَدَ فِيهِ عُقَدًا وَتَفِلَ فِيهِ تَفْلا وَجَعَلَهُ فِي جَبِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. ثُمَّ انْتَهَى بِهِ حَتَّى جَعَلَهُ تَحْتَ أُرْعُوفَةِ الْبِئْرِ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرًا أَنْكَرَهُ حَتَّى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَلا يَفْعَلُهُ. وَأَنْكَرَ بَصَرَهُ حَتَّى دَلَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَدَعَا جُبَيْرَ بْنَ إِيَاسَ الزُّرَقِيَّ.
وَقَدْ شَهِدَ بَدْرًا. فَدَلَّهُ عَلَى مَوْضِعٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ تَحْتَ أُرْعُوفَةِ الْبِئْرِ فَخَرَجَ جُبَيْرٌ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى لَبِيدِ بْنِ الأَعْصَمِ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ فَقَدْ دَلَّنِي اللَّهُ عَلَى سِحْرِكَ وَأَخْبَرَنِي مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: حُبُّ الدَّنَانِيرِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ! قَالَ إِسْحَاقُ ابن عَبْدِ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: إِنَّمَا سَحَرَهُ بَنَاتُ أَعْصَمَ أَخَوَاتُ لَبِيدٍ. وَكُنَّ أَسْحَرَ مِنْ لَبِيدٍ وَأَخْبَثَ. وَكَانَ لَبِيدٌ هُوَ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ أُرْعُوفَةِ الْبِئْرِ. فَلَمَّا عَقَدُوا تِلْكَ الْعَقَدَ أَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِلْكَ السَّاعَةَ بَصَرَهُ وَدَسَّ بَنَاتُ أَعْصَمٍ إِحْدَاهُنَّ فَدَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَخَبَّرْتُهَا عَائِشَةُ أَوْ سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَذْكُرُ مَا أَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَصَرِهِ ثُمَّ خَرَجَتْ إِلَى أَخَوَاتِهَا وَإِلَى لَبِيدٍ فَأَخْبَرَتْهُمْ.
فَقَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: إِنْ يَكُنْ نَبِيًّا فَسَيُخْبَرُ وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَسَوْفَ يُدَلِّهُهُ هَذَا السِّحْرُ حَتَّى يُذْهِبَ عَقْلَهُ فَيَكُونَ بِمَا نَالَ مِنْ قَوْمِنَا وَأَهْلِ دِينِنَا. فَدَلَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ الْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا نُهَوِّرُ الْبِئْرَ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَوَّرَهَا الْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ وَأَصْحَابُهُ وَكَانَ يُسْتَعْذَبُ مِنْهَا. قَالَ: وَحَفَرُوا بِئْرًا أُخْرَى فَأَعَانَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَفْرِهَا حِينَ هَوَّرُوا الأُخْرَى الَّتِي سُحِرَ فِيهَا حَتَّى أَنْبَطُوا مَاءَهَا ثُمَّ