يَرَاهَا مَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ. فَلَمْ تَزَلْ تُوقَدُ تِلْكَ النَّارُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. يَعْنِي لَيْلَةَ جَمْعٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: فَأَخْبَرَنِي كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ تِلْكَ النَّارُ تُوقَدُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَهِيَ تُوقَدُ إِلَى الْيَوْمِ. وَفَرَضَ قُصَيٌّ عَلَى قُرَيْشٍ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ. فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ جِيرَانُ اللَّهِ. وَأَهْلُ بَيْتِهِ. وَأَهْلُ الْحَرَمِ. وَإِنَّ الْحَاجَّ ضِيفَانُ اللَّهِ. وَزُوَّارُ بَيْتِهِ. وَهُمْ أَحَقُّ الضَّيْفِ بِالْكَرَامَةِ. فَاجْعَلُوا لَهُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا أَيَّامَ الْحَجِّ. حَتَّى يَصْدُرُوا عَنْكُمْ. فَفَعَلُوا. فَكَانُوا يُخْرِجُونَ ذَلِكَ كُلَّ عَامٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ خَرْجًا يَتَرَافَدُونَ ذَلِكَ فَيَدْفَعُونَهُ إِلَيْهِ فَيَصْنَعُ الطَّعَامَ لِلنَّاسِ أَيَّامَ مِنًى وَبِمَكَّةَ.

وصنع حِيَاضًا لِلْمَاءِ مِنْ أَدَمٍ فَيَسْقِي فِيهَا بِمَكَّةَ وَمِنًى وَعَرَفَةَ. فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى قَامَ الإِسْلامُ. ثُمَّ جَرَوْا فِي الإِسْلامِ عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ.

فَلَمَّا كَبِرَ قُصَيٌّ وَرَقَّ. وَكَانَ عَبْدُ الدَّارِ بِكْرَهُ وَأَكْبَرَ وَلَدِهِ. وَكَانَ ضَعِيفًا وَكَانَ إِخْوَتُهُ قَدْ شَرُفُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ قُصَيٌّ: أَمَا وَاللَّهِ يَا بُنَيَّ لأَلْحَقَنَّكَ بِالْقَوْمِ وَإِنْ كَانُوا قَدْ شَرُفُوا عَلَيْكَ. لا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْهُمُ الْكَعْبَةَ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ الَّذِي تَفْتَحُهَا لَهُ. وَلا تَعْقِدُ قُرَيْشٌ لِوَاءً لِحَرْبِهِمْ إِلا كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي تَعْقِدُهُ بِيَدِكَ. وَلا يَشْرَبُ رَجُلٌ بِمَكَّةَ إِلا مِنْ سِقَايَتِكَ.

وَلا يَأْكُلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَوْسِمِ طَعَامًا بِمَكَّةَ إِلا مِنْ طَعَامِكَ. وَلا تَقْطَعُ قُرَيْشٌ أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إِلا فِي دَارِكَ. فَأَعْطَاهُ دَارَ النَّدْوَةِ وَحِجَابَةَ الْبَيْتِ وَاللِّوَاءَ وَالسِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ وَخَصَّهُ بِذَلِكَ لِيُلْحِقَهُ بِسَائِرِ إِخْوَتِهِ. وَتُوُفِّيَ قُصَيٌّ فَدُفِنَ بِالْحَجُونِ. فَقَالَتْ تَخْمُرُ بِنْتُ قُصَيٍّ تَرْثِي أَبَاهَا:

طَرَقَ النَّعِيُّ بُعَيْدَ نَوْمِ الْهُجَّدِ ... فَنَعَى قُصَيًّا ذَا النَّدَى والسودد

فَنَعَى الْمُهَذَّبَ مِنْ لُؤَيٍّ كُلِّهَا ... فَانْهَلَّ دَمْعِي كَالْجُمَانِ الْمُفْرَدِ

فَأَرِقْتُ مِنْ حَزْنٍ وَهَمٍّ دَاخِلٍ ... أَرَقَ السَّلِيمِ لِوَجْدِهِ الْمُتَفَقِّدِ

ذِكْرُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ

قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا هلك قصي ابن كِلابٍ. قَامَ عَبْدُ مَنَافِ بْنُ قُصَيٍّ عَلَى أَمْرِ قُصَيٍّ بَعْدَهُ. وَأَمْرِ قُرَيْشٍ إِلَيْهِ. وَاخْتَطَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015