درهما. فو الله مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَخْلاقِهِمْ فَكَيْفَ أُلامُ عَلَى حُبِّي لِيَحْيَى بْنِ خَالِدٍ؟ وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُسَبِّحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ جَالِسًا إِذْ ذَكَرَ يَحْيَى بْنَ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكٍ. قَالَ فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ الْوَاقِدِيُّ فَأَكْثَرَ التَّرَحُّمَ. قَالَ فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُكْثِرُ التَّرَحُّمَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَكَيْفَ لا أَتَرَحَّمُ عَلَى رَجُلٍ أُخْبِرُكَ عَنْ حَالِهِ؟ كَانَ قَدْ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَمَا فِي الْمَنْزِلِ دَقِيقٌ وَلا سَوِيقٌ وَلا عَرَضٌ مِنْ عُرُوضِ الدُّنْيَا. فَمَيَّزْتُ ثَلاثَةً مِنْ إِخْوَانِي فِي قَلْبِي فَقُلْتُ أُنْزِلُ بِهِمْ حَاجَتِي. فَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ وَهِيَ زَوْجَتِي فَقَالَتْ: مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ أَصْبَحْنَا وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ عَرَضٌ مِنْ عُرُوضِ الدُّنْيَا مِنْ طَعَامْ أَوْ سَوِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الشَّهْرُ؟ فَقُلْتُ لَهَا: قَدْ مَيَّزْتُ ثَلاثَةً مِنْ إِخْوَانِي أُنْزِلُ بِهِمْ حَاجَتِي. فَقَالَتْ: مَدَنِيُّونَ أَوْ عِرَاقِيُّونَ؟ قَالَ قُلْتُ: بَعْضٌ مَدِينِيٌّ وَبَعْضٌ عِرَاقِيٌّ.

فَقَالَتِ: اعْرِضْهُمْ عَلَيَّ. فَقُلْتُ لَهَا: فُلانٌ. فَقَالَتْ: رَجُلٌ حَسِيبٌ ذُو يَسَارٍ إِلا أَنَّهُ مَنَّانٌ لا أَرَى لَكَ أَنْ تَأْتِيَهُ. فَسَمِّ الآخَرَ. فَسَمَّيْتُ الآخَرَ فَقُلْتُ: فُلانٌ. فَقَالَتْ: رَجُلٌ حَسِيبٌ ذُو مَالٍ إِلا أَنَّهُ بِخَيْلٌ لا أَرَى لَكَ أَنْ تَأْتِيَهُ. قَالَ فَقُلْتُ فُلانٌ. فَقَالَتْ: رَجُلٌ كَرِيمٌ حَسِيبٌ لا شَيْءَ عِنْدَهُ وَلا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَهُ. قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَاسْتَفْتَحْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ فَأَذِنَ لِي عَلَيْهِ فَدَخَلْتُ. فَرَحَّبَ وَقَرَّبَ وَقَالَ لي: ما جاء بك أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِوُرُودِ الشَّهْرِ وَضِيقِ الْحَالِ. قَالَ فَفَكَّرَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لِي: ارْفَعْ ثِنْيَ الْوِسَادَةِ فَخُذْ ذَلِكَ الْكِيسَ فَطَهِّرْهُ وَاسْتَنْفِقْهُ. فَإِذَا هِيَ دَرَاهِمُ مُكَحَّلَةٌ. فَأَخَذْتُ الْكِيسَ وَصِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَدَعَوْتُ رَجُلا كَانَ يَتَوَلَّى شِرَاءَ حَوَائِجِي فَقُلْتُ: اكْتُبْ مِنَ الدَّقِيقِ عَشَرَةَ أَقْفِزَةً. وَمِنَ الأُرْزِ قَفِيزًا. وَمِنَ السُّكَّرِ كَذَا. حَتَّى قَصَّ جَمِيعَ حَوَائِجِهِ. فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعْتُ دَقَّ الْبَابِ فَقُلْتُ:

انْظُرُوا مَنْ هَذَا. فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: هَذَا فُلانُ بْنُ فُلانِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. فَقُلْتُ: ائْذَنِي لَهُ. فَقُمْتُ لَهُ عَنْ مَجْلِسِي وَرَحَّبْتُ بِهِ وَقَرَّبْتُ وَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا جَاءَ بِكَ؟ فَقَالَ لِي: يَا عَمِّ أَخْرَجَنِي وُرُودُ هَذَا الشَّهْرِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا شَيْءٌ. فَفَكَّرْتُ سَاعَةً ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: ارْفَعْ ثِنْيَ الْوِسَادَةِ فَخُذِ الْكَيْسَ بِمَا فِيهِ. فَأَخَذَ الْكَيْسَ. ثُمَّ قُلْتُ لِصَاحِبِي: اخْرُجْ. فَخَرَجَ. فَدَخَلَتْ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَتْ لي: مَا صَنَعْتَ فِي حَاجَةِ الْفَتَى؟ فَقُلْتُ لَهَا: دفعت إليه الكيس بأسره. فقالت: وُفِّقْتَ وَأَحْسَنْتَ. ثُمَّ فَكَّرْتُ فِي صِدِّيقٍ لِي بِقُرْبِ الْمَنْزِلِ فَانْتَعَلْتُ وَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَدَقَقْتُ الْبَابَ فَأَذِنَ لِي.

فَدَخَلْتُ فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَرَحَّبَ وَقَرَّبَ ثم قال لي: ما جاء بك أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ فَخَبَّرْتُهُ بِوُرُودِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015