إلى موضع فِي خَانِ نُزُولٍ. فَأَقَمْتُ مَعَهُمْ أَيَّامًا وَطَلَبْتُ الإِذْنَ عَلَى يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ فَصَعُبَ عَلَيَّ. فأتيت أبا البحتري وَهُوَ بِي عَارِفٌ. فَلَقِيتُهُ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَخْطَأْتَ عَلَى نَفْسِكَ وَغَرَّرْتَ وَلَكِنْ لَسْتُ أَدَعُ أَنْ أَذْكُرَكَ لَهُ. وَكُنْتُ أَغْدُو إِلَى بَابِهِ وَأَرُوحُ فَقَلَّتْ نَفَقَتِي وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ رُفَقَائِي وَتَخَرَّقَتْ ثِيَابِي وَأَيِسْتُ مِنْ نَاحِيَةِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ فَلَمْ أُخْبِرْ رُفَقَائِي بِشَيْءٍ. وَعُدْتُ مُنْصَرِفًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَرَّةً أَنَا فِي سَفِينَةٍ.
وَمَرَّةً أَمْشِي حَتَّى وَرَدْتُ السَّيْلَحِينَ. فَبَيْنَا أَنَا مُسْتَرِيحٌ فِي سُوقِهَا إِذَا أَنَا بِقَافِلَةٍ مِنْ بَغْدَادَ.
فَسَأَلْتُ مَنْ هُمْ فَأَخْبَرُونِي أَنَّهُمْ مِنْ أهل مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأن صاحبهم بكار الزُّبَيْرِيَّ أَخْرَجَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لِيُوَلِّيَهُ قَضَاءَ الْمَدِينَةِ. وَالزُّبَيْرِيُّ أَصْدَقُ النَّاسِ لِي. فَقُلْتُ أَدَعُهُ حَتَّى يَنْزِلَ وَيَسْتَقِرَّ ثُمَّ آتِيَهُ. فَأَتَيْتُهُ بَعْدَ أَنِ استراح وفرغ من غذائه. فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لِي. فَدَخَلْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَاذَا صَنَعْتَ فِي غَيْبَتِكَ؟
فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِي وَبِخَبَرِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ. فَقَالَ لِي: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ لا يُحِبُّ أَنْ يَذْكُرَكَ لأَحَدٍ وَلا يُنَبِّهَ بِاسْمِكَ. فَمَا الرَّأْيُ؟ فَقُلْتُ: الرَّأْيُ أَنْ أَصِيرَ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَقَالَ:
هَذَا رَأْيٌ خَطَأٌ. خَرَجْتَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا قَدْ عَلِمْتَ. وَلَكِنِ الرَّأْيَ أَنْ تَصِيرَ مَعِي فَأَنَا الذَّاكِرُ لِيَحْيَى أَمْرَكَ. فَرَكِبْتُ مَعَ الْقَوْمِ حَتَّى صِرْتُ إِلَى الرَّقَّةِ. فَلَمَّا عَبَرْنَا الْجَوَازَ قَالَ لِي: تَصِيرُ مَعِي. فَقُلْتُ: لا. أَصِيرُ إِلَى أَصْحَابِي وَأَنَا مُبَكِّرٌ عَلَيْكَ غَدًا لِنَصِيرَ جَمِيعًا إِلَى بَابِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَدَخَلْتُ عَلَى أَصْحَابِي فَكَأَنِّي وَقَعَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ. ثُمَّ قَالُوا لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا كَانَ خَبَرُكَ فَقَدْ كُنَّا فِي غَمٍّ مِنْ أَمْرِكَ؟ فَخَبَّرْتُهُمْ بِخَبَرِي. فَأَشَارَ عَلَيَّ الْقَوْمُ بِلُزُومِ الزُّبَيْرِيِّ وَقَالُوا: هَذَا طَعَامُكَ وَشَرَابُكَ لا تَهْتَمَّ لَهُ.
فَغَدَوْتُ بِالْغَدَاةِ إِلَى بَابِ الزُّبَيْرِيِّ فَخُبِّرْتُ بِأَنَّهُ قَدْ رَكِبَ إِلَى بَابِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ.
فَأَتَيْتُ بَابَ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ فَقَعَدْتُ مَلِيًّا فَإِذَا صَاحِبِي قَدْ خَرَجَ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أُنْسِيتُ أَنْ أُذَاكِرَهُ أَمْرَكَ وَلَكِنْ قِفْ بِالْبَابِ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْهِ. فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ الْحَاجِبُ فَقَالَ لِي: ادْخُلْ. فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي حَالَةٍ خَسِيسَةٍ. وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةٌ. فَلَمَّا رَآنِي يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ فِي تِلْكَ الْحَالِ رَأَيْتُ أَثَرَ الْغَمِّ فِي وَجْهِهِ. وَسَلَّمَ عَلَيَّ وَقَرَّبَ مَجْلِسِي. وَعِنْدَهُ قَوْمٌ يُحَادِثُونَهُ. فَجَعَلَ يُذَاكِرُنِي الْحَدِيثَ بَعْدَ الْحَدِيثِ فَانْقَطَعْتُ عَنْ إِجَابَتِهِ وَجَعَلْتُ أَجِيءُ بِالشَّيْءِ لَيْسَ بِالْمُوَافِقِ لِمَا يَسْأَلُ.
وَجَعَلَ الْقَوْمُ يُجِيبُونَ بِأَحْسَنِ الْجَوَابِ وَأَنَا سَاكِتٌ. فَلَمَّا انْقَضَى الْمَجْلِسُ وَخَرَجَ الْقَوْمُ خَرَجْتُ فَإِذَا خَادِمٌ لِيَحْيَى بْنِ خَالِدٍ قَدْ خَرَجَ فَلَقِيَنِي عِنْدَ السِّتْرِ فَقَالَ لِي: إِنَّ الْوَزِيرَ