فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ كَعْبٌ فَجَمَعَهُمْ ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ لِرَجَاءٍ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمِ: اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا إِلَيْهِمْ فأخبرهم أنه كتابي. ومرهم فليبايعوا مَنْ وَلَّيْتُ. قَالَ فَفَعَلَ رَجَاءٌ. فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ رَجَاءٌ قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا لِمَنْ فِيهِ. وَقَالُوا: نَدْخُلُ فَنُسَلِّمُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: نَعَمْ. فَدَخَلُوا فَقَالَ لَهُمْ سُلَيْمَانُ: هَذَا الْكِتَابُ. وَهُوَ يُشِيرُ لَهُمْ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فِي يَدِ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ. هَذَا عَهْدِي فَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَبَايِعُوا لِمَنْ سَمَّيْتُ فِي هَذَا الْكِتَابِ. قَالَ فَبَايَعُوهُ رَجُلا رَجُلا. قَالَ ثُمَّ خَرَجَ بِالْكِتَابِ مَخْتُومًا فِي يَدِ رَجَاءٍ.

قَالَ رَجَاءٌ: فَلَمَّا تَفَرَّقُوا جَاءَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْمِقْدَامِ إِنَّ سُلَيْمَانَ كَانَتْ لِي بِهِ حُرْمَةٌ وَمَوَدَّةٌ وَكَانَ بِي بَرًّا مُلْطِفًا فَأَنَا أَخْشَى أَنْ يَكُونَ قَدْ أَسْنَدَ إِلَيَّ مِنْ هَذَا الأَمْرِ شَيْئًا فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ وَحُرْمَتِي وَمَوَدَّتِي إِلا أَعْلَمْتَنِي إِنْ كَانَ ذَلِكَ حَتَّى أَسْتَعْفِيَهُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ حَالٌ لا أَقْدِرُ فِيهَا عَلَى مَا أَقْدِرُ السَّاعَةَ. فَقَالَ رَجَاءٌ: لا وَاللَّهِ مَا أَنَا بِمُخْبِرِكَ حَرْفًا وَاحِدًا. قَالَ فَذَهَبَ عُمَرُ غَضْبَانُ.

قَالَ رَجَاءٌ: وَلَقِيَنِي هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ. فَقَالَ: يَا رَجَاءُ إِنَّ لِي بِكَ حُرْمَةً وَمَوَّدَةً قَدِيمَةً وَعِنْدِي شُكْرٌ. فَأَعْلِمْنِي أَهَذَا الأَمْرُ إِلَيَّ؟ فَإِنْ كَانَ إِلَيَّ عَلِمْتُ وَإِنْ كَانَ إِلَى غَيْرِي تَكَلَّمْتُ. فَلَيْسَ مَثَلِي قُصِّرَ بِهِ وَلا نُحِّيَ عَنْهُ هَذَا الأَمْرُ. فَأَعْلِمْنِي فَلَكَ اللَّهُ أَلاَّ أَذَكَرُ اسْمَكَ أَبَدًا.

قَالَ رَجَاءٌ: فَأَبَيْتُ وَقُلْتُ لا وَاللَّهِ لا أُخْبِرُكُ حَرْفًا وَاحِدًا مِمَّا أَسَرَّ إِلَيَّ. فَانْصَرَفَ هِشَامٌ وَهُوَ موأس وَهُوَ يَضْرِبُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى وَهُوَ يَقُولُ: فَإِلَى مَنْ إِذَا نُحِيَّتْ عَنِّي؟ أَتَخْرُجُ من بني عبد الملك؟ فو الله إِنِّي لَعَيْنُ بَنِي عَبْدِ الْمَلِكِ.

قَالَ رَجَاءٌ: وَدَخَلْتُ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَإِذَا هُوَ يَمُوتُ. قَالَ فَجَعَلْتُ إِذَا أَخَذَتْهُ سَكْرَةٌ من سكرات حَرَّفْتُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ فَجَعَلَ يَقُولُ وَهُوَ يَفْأَقُ: لَمْ يَأْنِ لِذَلِكَ بَعْدُ يَا رَجَاءُ. حَتَّى فَعَلْتَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ. فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ قَالَ: مِنَ الآنَ يَا رَجَاءُ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ شَيْئًا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ فَحَرَّفْتُهُ وَمَاتَ فَلَمَّا أَغْمَضْتُهُ سَجَّيْتُهُ بِقَطِيفَةٍ خَضْرَاءَ وَأَغْلَقْتُ الْبَابَ وَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ زَوْجَتُهُ تَنْظُرُ إِلَيْهِ كَيْفَ أَصْبَحَ فَقُلْتُ: نَامَ وَقَدْ تَغَطَّى. فَنَظَرَ الرَّسُولُ إِلَيْهِ مُغَطًّى بِالْقَطِيفَةِ فَرَجَعَ فَأَخْبَرَهَا فَقَبِلَتْ ذَلِكَ وَظَنَّتْ أَنَّهُ نَائِمٌ.

قَالَ رَجَاءٌ: وَأَجْلَسْتُ عَلَى الْبَابِ مَنْ أَثِقُ بِهِ وَأَوْصَيْتُهُ أَنْ لا يَرِيمَ حَتَّى آتِيَهُ وَلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015