وعن الحسن بن زياد، قال: كان المقدم في أصحاب أبي حنيفة في مجلسه زفر، وكان قلوبهم إليه أميل.
وعن بشر بن القاسم: سمعت زفر يقول: لا أخلف بعد موتي شيئاً أخافُ الحساب عليه.
وقوم ما في منزله بعد موته، فلم يبلغ ثلاثة دراهم.
وعن وكيع: لما احتضر زفر، رحمه الله تعالى، دخل عليه أبو يوسف وغيره، فقالوا: ألا توصي يا أبا الهُذيل؟ فقال: هذا المتاعُ الذي ترونه لهذه المرأة، وهذه الثلاثة آلاف درهم لولد أخي، وليس لأحدٍ على شيء، ولا على أحد شيء.
وكان زفر يشبه وجهه وجوه العجم، ولسانه لسان العرب. رحمه.
ومما مدح به الإمام زفر، رضي الله تعالى عنه، قول بعضهم
إن القِيَاسَ جَلاَ مِرْآتَهُ زُفَرُ ... فمُنْكِرُوهُ لما قدْنا لهم زَفَرُوا
قَوْسُ الْقِياسِ به كانت مُوَتَّرَةً ... ما عاشَ فالآن لا قَوسٌ ولا وَتَرُ
لَقَد حوى في قِياسِ الفِقْهِ مَرْتَبَةً ... عليه [قد] حَسِرَتْ مِن دُونِها الْفِكَرُ
قِيَاسُه قَد صَفا في بَحْرِ خاطِرِهِ ... وحاسِدُوه لِشُّومِ الحقدِ قد كَدِرُوا
غَدا لِكَسْرِ قِيَاسِ الناسِ جابِرَهُ ... وهُمْ بحِقْدِهِمُ مِنْ جَبْرِه انْكَسَرُوا
مَهْ لا يُساوِيه في أوقاتِهِ أحدٌ ... هَلْ يبَسْتَوي الذَّهبُ الإبريزُ والْحَجَرُ
وزفر: بضم الزاي المعجمة وفتح الفاء وبعدها را مهملة.
والهُذيل: بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وسكون اليا المثناة من تحتها وبعدها لام. والله تعالى أعلم.
وأسلم أبي زائدة ميمون بن وداعة.
كوفي، من كبار الرواة. روى عن الشعبي، وغيره.
وروى عنه الثوري، وشعبة، وغيرهما. وروى له الشيخان، وكان ثقة.
خرج في البعوث إلى الديلم غازياً، ثم انصرف إلى الكوفة.
ذكره أبو القاسم الرافعي، في " تاريخ قزوين ".
وروى فيه بسنده عنه، وعن مسعر، وسفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء، رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نام يتوسد يمينه، ويقول: " اللهم قِني عذابك يومَ تَبْعَثُ عبادك ".
وروى أيضاً بسنده عنه، أنه قال: قرأت على محراب رجل بقزوين:
فَلا تَغُرَّنَّكَ الآمالُ يا رَجُلُ ... واعْمَلْ فليس وراءَ الموتِ مُعْتَمَلُ
واعملْ لِنَفْسِكَ لا تَشْقَى بِعَيْشَتِها ... قبلَ الفراق إذا ما جاءك الأجَلُ
واحذَرْ فإِنَّ مجيء الموتِ مُقْتَرِبٌ ... فلا يَغُرَّنَّكَ التَّسْرِيفُ والأمَلُ
توفي سنة تسع وأربعين ومائة. وقيل: ثمان. وقيل: سبع. رحمه الله تعالى.
حكى عنه ابنه يحيى، الآتي في بابه إن شاء الله تعالى، أنه كان يقول له: يا بُني، عليكَ بالنعمان بن ثابت، فخذ عنه قبل أن يفوتك.
قال يحيى: ورُبما عرضت عليه فتياه فيعجب به.
والله تعالى أعلم.
أصله من ولاية أنكورية.
وكان مولده بدار السلطنة السنية، قُسطنطينية المحمية، في أوائل سلطنة السلطان سليمان خان، عليه الرحمة والرضوان.
واشتغل، وحص، إلى أن صار من أعيان فضلاء الديار الرومية، وصار ملازماً من المولى الفاضل العلامة محمد أفندي، المعروف بمعلول أمير، وكان جل انتفاعه به، وقد كان رفيقاً في الاشتغال عليه بالديار المصرية للإمام العلامة مفتي الديار المصرية الشيخ علي القدسي.
ثم إن صاحب الترجمة صار مدرساً بندارس متعددة؛ منها: إحدى المدارس الثمان، ومدرسة السلطان سليم خان بمدينة قُسطنطينية.
ثم ولي منها قضاء حلب، وأقام بها مدة، وعُزل منها لا إلى منصب.
ثم صار قاضياً بمدينة بروسة، ثم عزل، وصار بعد ذلك قاضياً بقسطنطينية.
ثم ولى قضاء العسكر بولاية أناطولي، ثم عزل منه، وعُين له من العلوفة كل يوم مائة وخمسون درهماً عثمانياً، بطريق التقاعد.
وكان في ولاياته كلها محمود السيرة، مشكور الطريقة، والرعايا راضون منه، داعون له، غير أنه كان محسوداً على علمه وفضله وتقدمه، وما عزل من منصبٍ من هذه المناصب إلا بتحريك الأعداء، وتدبير الحساد، وسعي من لا يخاف الله تعالى.