وقد بنى زاوية ينزل بها المسافرون، وكان السلطان عثمان يجيء إليه في الزاوية المذكورة بعض الأوقات، ويبيت معه بها، ويقال: إنه بات بها ليلة، فرأى في المنام أن قمراً خرج من حضن الشيخ، ودخل في حضنه، ثم نبت من سرته عند ذلك شجرة عظيمة، سدت أغصانها الآفاق، وتحتها جبال كثيرة، تتفجر الأنهار منها، والناس ينتفعون بها، ويسقون دوائبهم وبساتينهم، فقص هذه الرؤيا على الشيخ، فقال: لك البشرى، نلت مرتبة السلطنة أنت وأولادك، وينتفع بكم الناس.
وكان للشيخ بنت فزوجها للسلطان عثمان، رجاء في أن يكون هذا النسل من ذريته، وقد حقق الله رجاءه.
وكانت وفاته سنة ست وعشرين وسبعمائة، عن مائة وعشرين سنة، وكانت وفاة بنته زوج السلطان بعده بشهر، ثم بعد مضي ثلاثة أشهر من وفاتها مات السلطان عثمان، رحمهم الله تعالى.
نائب حلب، وليهامن قبل الناصر محمد بن قلاوُون، في ستة سبع وعشرين وسبعمائة، وحكم بها أربع سنين، وباشر نيابة السلطنة بالديار المصرية، ست عشرة سنة.
قال أبو الفضل محب الدين ابن الشحنة: كان أميراً كبيراً، معظماً مُبجلاً، محترماً في الدولة، ذا وقار ومهابة، ورأي وتدبير، ويحكم بالشرع الشريف.
قرأ، وحصل.
وقال أبوه: في تاريخه المُسمى ب " روض المناظر، في علم الأوائل والأواخر " في ترجمة أرغون المذكور: وكان فقيهاً حنفياً، ورعاً، أذن له بالإفتاء على مذهبه، وسمع " صحيح البخاري "، على الشيخ أبي العباس أحمد ابن الشحنة الحجار، ووزيرة بنت عمر بن أسعد بن المُنجا، بمصر، في سنة خمس عشرة وسبعمائة، بقراءة الشيخ أبي حيان، قال: وكتب منه مجلداً بخطه.
وقال ابن خطيب الناصرية: وكتب " صحيح البخاري " بخطه، وسمعه على أبي العباس الحجار. انتهى.
وقال صاحب: " درة الأسلاك "، في حقه: أمير مناضل، وفقيه فاضل، ونائب كم رفع من نوائب، ومقدم قدمه راسخ وسمهمه صائب.
كان مُبجلاً، مُعظماً، مُعززاً، مكرماً، مُحترماً في الدولة، معدوداً من أرباب الصون والصولة، ذا وقار ومهابة، وأوامر مقرونة بالإجابة، ورأي وتدبير، وتدقيق وتحرير.
يحكم بالشرع الشريف، وينصر المظلوم ويُعين الضعيف، ويكثر من محبة أهل العلم. ويجتمع بهم ويذاكرهم في حالتي الحرب والسلم.
قرأ وحصل، وأجمل وفصل، وجمع كتباً نفيسة، واتخذ كلا منها أنيسهُ وجليسه.
وكتب " صحيح البخاري " بخطه المأهول بالضبط والتبيان، وسمعه على أبي العباس أحمد الحجار بقراءة الأستاذ أثير الدين أبي حيان.
وباشر نيابة السلطنة بالديار المصرية، ست عشرة سنة، واستمر بحلب أربع سنين، ثم لحق بجوار من تكل عن وصفه الألسنة، رحمه الله تعالى.
وذكره ابن حجر، في أنباء المائة الثامنة، وقال في حقه: اشتغل على مذهب الحنفية، ومهر فيه إلى أن صار يعد في أهل الإفتاء.
وكانت له عناية بالكتب عظيمة، جمع منها جمعاً ما جمعه أحد من أبناء جنسه، وكان الناس قد علموا رغبته في الكتب، فهرعوا إليه بها.
وكان خيراً ساكناً، قليل الغضب، حتى يقال: إنه لم يسمع منه أحد طول نيابته بمصر وحلب، كلمة سوء، وكان للملك به جمال.
وكان له حنو على ابن الوكيل، وأبي حيان، وابن سيد الناس، وغيرهم. انتهى.
وأرغون هذا، هو الذي أمر بحفر نهر الساجور، وإجرائه إلى حلب، وجمع الناس على ذلك، واجتهد فيه بحيث كمل في نحو ستة أشهر، وأنفق عليه جملة من المال، وكان يوم وصوله يوماً مشهوداً، وكان قبل أرغون هذا بعض النواب قصد سوقه إلى حلب، كما فعل أرغون، فقيل: من ساقه يموت من عامه. فتأخر عنه، وقيل مثل ذلك لأرغون، فقال: لا أرجع عن خير عزمت عليه.
فقدر الله تعالى أنه مرض، ومات من عامه، سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
وأنشد القاضي شرف الدين الحسين بن ريان، في إجراء نهر الساجور، قوله:
لمَّا أتَى نَهْرُ السَّاجُورِ قلتُ له ... كم ذَا التَّأخُرُ من حِينٍ إلى حِين
فقال أخَّرنِي رَبِّي لِيَجْعَلَنِي ... مِنْ بَعْضِ مَعْرُوفِ سَيْفِ الدِّين أَرْغُون
وأنشد القاضي بدرُ الدين حسن بن حبيب:
قد أَضْحَتِ الشَّهْباءُ تُثْنِي عَلَى ... أَرْغَونَ في صُبْحٍ ودَيْجُورِ