وَفِي أَثَرٍ عَنْ عائشة أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا الطَّاعُونُ؟
قَالَ: «غُدَّةٌ (?) كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ يَخْرُجُ فِي الْمَرَاقِّ وَالْإِبْطِ» (?) .
قَالَ الْأَطِبَّاءُ: إِذَا وَقَعَ الْخُرَّاجُ فِي اللُّحُومِ الرِّخْوَةِ، وَالْمَغَابِنِ، وَخَلْفَ الْأُذُنِ وَالْأَرْنَبَةِ، وَكَانَ مِنْ جِنْسٍ فَاسِدٍ، سُمِّيَ طَاعُونًا، وَسَبَبُهُ دَمٌ رَدِيءٌ مَائِلٌ إِلَى الْعُفُونَةِ وَالْفَسَادِ، مُسْتَحِيلٌ إِلَى جَوْهَرٍ سُمِّيٍّ، يُفْسِدُ الْعُضْوَ وَيُغَيِّرُ مَا يَلِيهِ، وَرُبَّمَا رَشَحَ دَمًا وَصَدِيدًا، وَيُؤَدِّي إِلَى الْقَلْبِ كَيْفِيَّةً رَدِيئَةً، فَيَحْدُثُ الْقَيْءُ وَالْخَفَقَانُ وَالْغَشْيُ، وَهَذَا الِاسْمُ وَإِنْ كَانَ يَعُمُّ كُلَّ وَرَمٍ يُؤَدِّي إِلَى الْقَلْبِ كَيْفِيَّةً رَدِيئَةً حَتَّى يَصِيرَ لِذَلِكَ قَتَّالًا، فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ الْحَادِثُ فِي اللَّحْمِ الْغُدَدِيِّ، لِأَنَّهُ لِرَدَاءَتِهِ لَا يَقْبَلُهُ مِنَ الْأَعْضَاءِ إِلَّا مَا كَانَ أَضْعَفَ بِالطَّبْعِ، وَأَرْدَؤُهُ مَا حَدَثَ فِي الْإِبِطِ وَخَلْفَ الْأُذُنِ لِقُرْبِهِمَا مِنَ الْأَعْضَاءِ الَّتِي هِيَ أَرْأَسُ، وَأَسْلَمُهُ الْأَحْمَرُ، ثُمَّ الْأَصْفَرُ. وَاَلَّذِي إِلَى السَّوَادِ، فَلَا يَفْلِتُ مِنْهُ أَحَدٌ.
وَلَمَّا كَانَ الطَّاعُونُ يَكْثُرُ فِي الْوَبَاءِ، وَفِي الْبِلَادِ الْوَبِيئَةِ، عُبِّرَ عَنْهُ بِالْوَبَاءِ، كَمَا قَالَ الخليل: الْوَبَاءُ: الطَّاعُونُ. وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ مَرَضٍ يَعُمُّ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ بَيْنَ الْوَبَاءِ وَالطَّاعُونِ عُمُومًا وَخُصُوصًا، فَكُلُّ طَاعُونٍ وَبَاءٌ، وَلَيْسَ كُلُّ وَبَاءٍ طَاعُونًا، وَكَذَلِكَ الْأَمْرَاضُ الْعَامَّةُ أَعَمُّ مِنَ الطَّاعُونِ، فَإِنَّهُ وَاحِدٌ مِنْهَا، وَالطَّوَاعِينُ خُرَّاجَاتٌ وَقُرُوحٌ وَأَوْرَامٌ رَدِيئَةٌ حَادِثَةٌ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا.
قُلْتُ: هَذِهِ الْقُرُوحُ، وَالْأَوْرَامُ، وَالْجِرَاحَاتُ، هِيَ آثَارُ الطَّاعُونِ، وَلَيْسَتْ نَفْسَهُ، وَلَكِنَّ الْأَطِبَّاءَ لَمَّا لَمْ تُدْرِكْ مِنْهُ إِلَّا الْأَثَرَ الظَّاهِرَ، جَعَلُوهُ نَفْسَ الطَّاعُونِ.
وَالطَّاعُونُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: هَذَا الْأَثَرُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ.
وَالثَّانِي: الْمَوْتُ الْحَادِثُ عَنْهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي قَوْلِهِ:
«الطَّاعُونُ شهادة لكل مسلم» .