وَفِي «السُّنَنِ» : مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ذُكِرَتِ الْحُمَّى عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَبَّهَا رَجُلٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبَّهَا فَإِنَّهَا تَنْفِي الذُّنُوبَ، كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» (?) .
لِمَا كَانَتِ الْحُمَّى يَتْبَعُهَا حِمْيَةٌ عَنِ الْأَغْذِيَةِ الرَّدِيئَةِ، وَتَنَاوُلِ الْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ النَّافِعَةِ، وَفِي ذَلِكَ إعانة على تنقية البدن، ونفي أخبائثه وَفُضُولِهِ، وَتَصْفِيَتِهِ مِنْ مَوَادِّهِ الرَّدِيئَةِ، وَتَفْعَلُ فِيهِ كَمَا تَفْعَلُ النَّارُ فِي الْحَدِيدِ فِي نَفْيِ خَبَثِهِ، وَتَصْفِيَةِ جَوْهَرِهِ، كَانَتْ أَشْبَهَ الْأَشْيَاءِ بِنَارِ الْكِيرِ الَّتِي تُصَفِّي جَوْهَرَ الْحَدِيدِ، وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمَعْلُومُ عِنْدَ أَطِبَّاءِ الْأَبْدَانِ.
وَأَمَّا تَصْفِيَتُهَا الْقَلْبَ مِنْ وَسَخِهِ وَدَرَنِهِ، وَإِخْرَاجَهَا خَبَائِثَهُ، فَأَمْرٌ يَعْلَمُهُ أَطِبَّاءُ الْقُلُوبِ، وَيَجِدُونَهُ كَمَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ مَرَضُ الْقَلْبِ إِذَا صَارَ مَأْيُوسًا مِنْ بُرْئِهِ، لَمْ يَنْفَعْ فِيهِ هَذَا الْعِلَاجُ.
فَالْحُمَّى تَنْفَعُ الْبَدَنَ وَالْقَلْبَ، وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَسَبُّهُ ظُلْمٌ وَعُدْوَانٌ، وَذَكَرْتُ مَرَّةً وَأَنَا مَحْمُومٌ قول بعض الشعراء يسبّها:
زارت مكفّارة الذُّنُوبِ وَوَدَّعَتْ ... تَبًّا لَهَا مِنْ زَائِرٍ وَمُوَدِّعِ
قَالَتْ وَقَدْ عَزَمَتْ عَلَى تَرْحَالِهَا ... مَاذَا تُرِيدُ فقلت ألاترجعي
فَقُلْتُ: تَبًّا لَهُ إذْ سَبَّ مَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن سبه، ولو قال:
زارت مكفّارة الذُّنُوبِ لِصَبِّهَا ... أَهْلًا بِهَا مِنْ زَائِرٍ وَمُوَدِّعِ
قَالَتْ وَقَدْ عَزَمَتْ عَلَى تَرْحَالِهَا ... مَاذَا تُرِيدُ فقلت: ألاتقلعي
لَكَانَ أَوْلَى بِهِ، وَلَأَقْلَعَتْ عَنْهُ، فَأَقْلَعَتْ عَنِّي سَرِيعًا. وَقَدْ رُوِيَ فِي أَثَرٍ لَا أَعْرِفُ حَالَهُ «حُمَّى يَوْمٍ كَفَّارَةُ سَنَةٍ» . وَفِيهِ قَوْلَانِ، أحدهما: أن الحمّى تدخل في