له بسبب النبي صلى الله عليه وسلم في ماله وحاله. ولقد اشتغل صلى الله عليه وسلم بما اشتغل به الأنبياء من قبل، اشتغل يرعى الغنم وما من نبي إلا رعى الغنم ليعتاد بذلك حسن الرعاية والتصريف فيما يكون راعيا له في المستقبل ثم اشتغل صلى الله عليه وسلم بالتجارة فاشتهر عند الناس بالصدق والأمانة وحسن المعاملة ثم لما بلغ الخامسة والعشرين من عمره تزوج خديجة رضي الله عنها ولها أربعون سنة وقد تزوجت قبله برجلين وكانت رضي الله عنها من شريفات نساء العرب موصوفة بالعقل والحزم والذكاء ورزقها الله منه ابنين وبنات أربع وكان أولاده كلهم منها إلا إبراهيم فإنه من أم ولده مارية القبطية وكلهم ماتوا في حياته إلا فاطمة. ولم يتزوج عليها صلى الله عليه وسلم حتى ماتت رضي الله عنها في السنة العاشرة من البعثة قبل الهجرة بثلاث سنين فتزوج بعدها عائشة.
وكان صلى الله عليه وسلم معظما في قومه محترما يحضر معهم في مهمات الأمور فحضر حلف الفضول الذي تعاقدوا به على درء المظالم ورد الحقوق إلى أهلها وكان حكما في قريش عند نزاعها في وضع الحجر الأسود في مكانه حين هدمت الكعبة فتنازعوا أيهم يضع الحجر مكانه فقيض الله لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكموه بينهم وانقادوا لقضائه فبسط صلى الله عليه وسلم رداءه ووضع الحجر فيه ثم قال لأربعة من رؤساء قريش ليأخذ كل واحد منكم بجانب من هذا الرداء فحملوه حتى إذا أدنوه من موضعه أخذه صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة فوضعه في مكانه فكان له صلى الله عليه وسلم بهذا الحكم العادل شرف كبير ونبأ عظيم وكان صلوات الله وسلامه عليه محفوظا من عبادة الأوثان وشرب الخمور وعمل الميسر. ولما بلغ الأربعين من عمره جاءه الوحي من الله تعالى فكان أول ما بدئ به من الوحي الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب الله إليه الخلاء وهو الانفراد عن ذلك المجتمع الفوضوي في عقيدته وعبادته فكان يخلو بغار حراء وهو الجبل الذي عن يمين الداخل إلى مكة من طريق الشرائع ويتعبد فيه «حتى نزل عليه الوحي هناك فجاءه جبريل فقال اقرأ فقال ما أنا بقارئ أي لا أحسن القراءة وفي الثالثة قال له جبريل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ - خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ - اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ - الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ - عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5] فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهله يرجف فؤاده لأنه رأى أمرا عظيما لم يكن معهودا له من قبل فدخل على خديجة فقال لها وأخبرها الخبر لقد خشيت على نفسي فقالت كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل رحمك وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري