الخطبة الرابعة
في الأطوار التي مر بها المسجد الأقصى إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس فلقد مضى على احتلال اليهود المسجد الأقصى أكثر من ثماني سنوات وهم يعيثون به فسادا وبأهله عذابا وفي هذه الأيام أصدرت محكمة يهودية حكما بجواز تعبد اليهود في نفس المسجد الأقصى ومعنى هذا الحكم الطاغوتي إظهار شعائر الكفر في مسجد من أعظم المساجد الإسلامية حرمة. إنه المسجد الذي أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ليعرج من هناك إلى السماوات العلى إلى الله جل وتقدس وعلا. إنه لثاني مسجد وضع في الأرض لعبادة الله وتوحيده ففي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال قلت «يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول قال المسجد الحرام قلت ثم أي قال المسجد الأقصى قلت كم بينهما قال أربعون سنة» . إنه لثالث المساجد المعظمة في الإسلام التي تشد الرحال إليها لطاعة الله وطلب المزيد من فضله وكرمه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى» . إنه المسجد الذي يقع في الأرض المقدسة المباركة مقر أبي الأنبياء إبراهيم وابنيه سوى إسماعيل. مقر إسحاق ويعقوب إلى أن خرج وبنيه إلى يوسف في أرض مصر فبقوا هنالك حتى صاروا أمة بجانب الأقباط الذين يسومونهم سوء العذاب حتى خرج بهم موسى صلى الله عليه وسلم فرارا منهم وقد ذكر الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل بهذه النعمة الكبيرة وذكرهم موسى نعم الله عليهم بذلك وبغيره إذ جعل فيهم أنبياء وجعلهم ملوكا وآتاهم ما لم يؤت أحد من العالمين في وقتهم وأمرهم بجهاد الجبابرة الذين استولوا على الأرض المقدسة وبشرهم بالنصر حيث قال: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 21] وإنما كتبها الله لهم لأنهم في ذلك الوقت أحق الناس بها حيث هم أهل الإيمان والصلاح والشريعة القائمة: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ - إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: 105 - 106] ولكنهم نكلوا عن الجهاد