الخطبة الثامنة
في إنفاق المال في طرق الخير بوقف أو غيره إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك به وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الدين والدنيا فلقد أرسل الله إليكم رسولًا يتلو عليكم آيات ربكم ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة فبقي دينه متلوًّا في كتاب الله غير مبدل ولا مغير ومأثورًا فيما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفاض عليكم المال لتستعينوا به على طاعته وتتمتعوا به في حدود ما أباحه لكم فهو قيام دينكم ودنياكم فاعرفوا حقه وابذلوه في مستحقه {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: 20]
أيها المسلمون إن مالكم في الحقيقة ما قدمتموه لأنفسكم ذخرًا لكم عند ربكم ليس مالكم ما جمعتموه فاقتسمه الوارث بعدكم فإنكم سوف تخلفونه وتدعونه كما قال الله تعالى {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام: 94]
فسوف تنتقلون عن الدنيا أغنياء عما خلفتم فقراء إلى ما قدمتم وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «قال أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله قالوا يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه قال فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر» . وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها «أنهم ذبحوا شاةً فتصدقوا بها سوى كتفها فقال النبي صلى الله عليه وسلم بقي كلها غير كتفها» .
أيها المسلمون إن من إنفاق المال في طرق الخير أن يتصدق به المرء صدقةً منجزةً على الفقراء والأقارب فيملكونها ويتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه وذلك من أفضل الأعمال وأربح التجارة لما نزل قوله تعالى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] «جاء أبو طلحة - وكان له حديقة قِبلة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تسمى بيرحاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب - فقال يا رسول الله إن الله أنزل هذه الآية وإن أحب مالي إليَّ بيرحاء