الفرع السادس
في الأخلاق والآداب الخطبة الأولى
في شيء من حقوق الله تعالى وحقوق الخلق الحمد لله العليم الخبير القوي العزيز الحكيم خلق كل شيء فأتقنه صنعًا وتقديرًا وشرع الشرائع فأحكمها عملًا وتنظيمًا فسبحانه من إله عظيم وخالق حكيم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة من العذاب الأليم والفوز بدار النعيم المقيم وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديهم القويم وسلم تسليمًا.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله لم يخلقكم عبثًا ولن يترككم سدًى وإنما خلقكم لحكمة بالغة وشرع لكم شرائع كاملة ليبلوكم أيكم أحسن عملًا خلقكم وسترجعون إليه وشرع لكم الدين وستحاسبون عليه فاستعدوا للقاء ربكم وأعدوا الجواب عما سيسألكم يقول الله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ - فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ - وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 6 - 9]
أيها الناس إن لربكم عليكم حقًّا وإن لأنفسكم عليكم حقًّا وإن للخلق عليكم حقًّا فأعطوا كل ذي حق حقه حتى تخرجوا من الدنيا وقد غنمتم الدنيا والآخرة ولا تفرطوا في هذه الحقوق فتخسروا الدنيا والآخرة.
أيها الناس لقد ذكر الله حقوقه وحقوق عباده في كثير من آيات القرآن الكريم وإن من أجمع الآيات في ذلك قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36]
إن أعظم الحقوق عليك هو حق الله تعالى الذي خلقك فسواك. وأمدك بالرزق ورباك وسخر كل شيء لمنفعتك ومصلحتك {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13] وما بكم من نعمة فمن الله وإن حقه عليك أن تعبده ولا تشرك به شيئًا بأن تقوم بكل ما يحبه ويرضاه محبةً له وتعظيمًا له وطلبًا لثوابه وخوفًا من عقابه لا تقدم على عبادته النفس