أو وصف إنه يعدكم، ويمنيكم وما يعدكم الشيطان إلا غرورا.
أيها المسلمون إننا في وقت جذاذ النخيل ووقت إخراج زكاتها، وإن الواجب عليكم أن تحاسبوا أنفسكم في الدنيا قبل أن تحاسبوا عليها في الآخرة. لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ما يجب عليهم من زكاة الثمار بيانا ظاهرا لا إشكال فيه، بيانا تقوم به الحجة، وتزول به الشبهة، فقال صلوات الله وسلامه عليه: «فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر» . وهذا بيان ما بعده بيان فالزكاة فيما سقي بالنضح أي: بالسواني والمكائن نصف العشر. سهم بين، ومقدار معلوم، قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وبلغه إليهم، فمات صلوات الله وسلامه عليه، وقد فرض إليهم الأمر، ووكلهم إلى ما عندهم من الدين والأمانة وربه سبحانه هو المتولي لحسابهم: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد: 40] أيها المسلم، حاسب نفسك، أخرج السهم الذي قدره الله لك ورسوله، ومن يطع الرسول فقد أطاع الله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71] أخرج نصف العشر من ثمار نخيلك مراعيا بذلك اختلاف الأنواع وقيمة الجيد منها، لا تبخل على نفسك، فربك لم يفرض الزكاة عليك إلا تكميلا لعبادتك، وتطهيرا لما لك، وإبراء لذمتك.
أيها المسلمون إننا في زمن تختلف فيه أنواع النخيل اختلافا بينا ظاهرا، فبينما بعض النخيل يباع الكيلو منها بثلاث ريالات أو أكثر إذا ببعضها يباع الكيلو منه بنصف ريال أو أقل، ثم يغلب الشح بعض الناس، فيخرج زكاة النوع الأول من هذا النوع الثاني الذي نسبته إليه السدس، وهذا حيف بلا شك، فإن هذا ليس بإخراج لنصف العشر باعتبار النخل كله أرأيت لو كان لك سهم من بستان مقدار سهمك نصف العشر هل ترضى أن تأخذ من النوع الذي كيلوه بنصف ريال بدلا عن الذي كيلوه بثلاثة ريالات؟ لن ترضى أبدا إذن فكيف لا ترضاه لنفسك في الدنيا، ثم ترضاه لربك ولنفسك في الآخرة؟
أيها المسلمون إذا عرفتم أن الواجب نصف العشر سهم بين بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن من العلماء من قال: يجب عليه أن يخرج زكاة كل نوع من ذلك النوع يخرج زكاة الطيب من الطيب، وزكاة المتوسط من المتوسط، وزكاة الرديء من الرديء، وهذا أمر شاق، ولا سيما مع كثرة الأنواع، ولذلك قال بعض العلماء: لا بأس أن يخرج عن الجيد من المتوسط بقدر القيمة.