وأما التسكع في الأسواق، والتمشي فيها، فما أكثر من يفعله من النساء تخرج المرأة من بيتها لغير حاجة، أو لحاجة يسيرة يمكن أن يأتي بها أحد من في البيت من الرجال أو الصبيان. ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن» . فبيت المرأة خير لها حتى في المسجد، فكيف بغيره، وأن هذا الحديث الصحيح ليدل على أنه يجوز للرجل أن يمنع المرأة من الخروج للسوق ما عدا المسجد، ولا إثم عليه في ذلك، ولا حرج. أما منعها من التبرج والتعطر عند الخروج، فإنه واجب عليه ومسئول عنه يوم القيامة. وعلى المرأة إذا خرجت أن تخرج بسكينة وخفض صوت، ولا تمشي كما يمشي الرجل بقوة تضرب الأرض برجلها، وتهز كتفيها، وترفع صوتها، قالت أم سلمة رضي الله عنها: لما نزلت هذه الآية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] خرج نساء الأنصار كأن على رؤسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها. هذه صفات نساء المؤمنين، فاقتدوا بهن لعلكم تفلحون، ولا تغرنكم الحياة الدنيا وزينتها، ولا يغرنكم من لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، فإن هذا التبرج والثياب القصيرة والضيقة، إنما صنعت تقليدا لهم، وإن أعداءكم يعلمون أنهم لو دعوكم إلى الكفر ما كفرتم، ولو دعوكم إلى الشرك ما أشركتم، ولكن يرضون منكم أن يهدموا أخلاقكم ودينكم من جهات أخرى من جهة محقرات الذنوب التي يحقرونها في أعينكم، فتحتقرونها، وتؤاتونها حتى تنزل بكم إلى النار. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان قد أيس أن تعبدوا الأصنام في أرض العرب، ولكنه سيرضى منكم بدون ذلك بالمحقرات، وهي الموبقات يوم القيامة» . فاتقوا الله أيها المسلمون، ولا تنخدعوا بما يقدمه لكم أعداؤكم إنكم الآن على مفترق طرق فتحت عليه الدنيا، وانهال عليكم الأعداء، قدم البعض منهم إلى بلادكم بعاداتهم السيئة وتقاليدهم المنحرفة، وسافر البعض منكم إلى بلادهم، وشاهدتموهم في وسائل الإعلام في الصحف والتليفزيون.
فإما أن يكون في دينكم صلابة تتحطم عليها مكايد الأعداء، وفيكم قوة الشخصية الإسلامية، فلا تقتدون بهم، ولا تغترون بهم، وتتمسكون بما كان عليه أسلافكم الصالحون، فتنالون خير الدنيا والآخرة. وإما أن يكون الأمر بالعكس لين في الدين، وضعف في الشخصية، وانهيار أمام المثيرات، فتبوؤن بالصفقة الخاسرة: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: 15]