بعث الله تعالى محمدا -صلى الله عليه وسلم- والناس منغمسون في الشرك في شتى أنواعه فمنهم من يعبد الأصنام ومنهم من يعبد المسيح بن مريم ومنهم من يعبد الأشجار ومنهم من يعبد الأحجار حتى كان الواحد منهم إذا سافر ونزل أرضا أخذ منها أربعة أحجار فيضع ثلاثة منها تحت القدر وينصب الرابع إلها يعبده فأنقذهم الله برسوله من هذه الهوة الساحقة والسفه البالغ من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن فحقق التوحيد لرب العالمين تحقيقا بالغا وذلك بأن تكون العبادة لله وحده يتحقق فيها الإخلاص لله بالقصد والمحبة والتعظيم فيكون العبد مخلصا لله في قصده مخلصا لله في محبته مخلصا لله تعالى في ظاهره وباطنه لا يبتغي بعبادته إلا وجه الله تعالى والوصول إلى دار كرامته: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 - 163] {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر: 54] {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا} [الحج: 34]

هكذا جاء كتاب الله تعالى وتلته سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بتحقيق التوحيد وإخلاصه وتخليصه من كل شائبة وسد كل طريق يمكن أن يوصل إلى ثلم هذا التوحيد أو إضعافه حتى إن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما شاء الله وشئت فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- «أجعلتني لله ندا بل ما شاء الله وحده» فأنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا الرجل أن يقرن مشيئته بمشيئة الله تعالى بحرف يقتضي التسوية بينهما وجعل ذلك من اتخاذ الند لله عز وجل واتخاذ الند لله تعالى إشراك به وحرم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحلف الرجل بغير الله وجعل ذلك من الشرك بالله فقال -صلى الله عليه وسلم- «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» وذلك لأن الحلف بغير الله تعظيم للمحلوف به بما لا يستحقه إلا الله عز وجل فلا يجوز للمسلم أن يقول عند الحلف والنبي أو وحياة النبي أو وحياتك أو وحياة فلان بل يحلف بالله وحده أو يصمت عند الحلف ولما «سئل -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يلقى أخاه فيسلم عليه أينحني له فقال لا» فمنع -صلى الله عليه وسلم- من الانحناء عند التسليم لأن ذلك خضوع لا ينبغي إلا لله رب العالمين فهو سبحانه وحده الذي يركع له ويسجد وكان السجود عند التحية جائزا في بعض الشرائع السابقة ولكن هذه الشريعة الكاملة شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- منعت منه وحرمته إلا لله تعالى وحده.

وفي الحديث «أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قدم الشام فوجدهم يسجدون لأساقفتهم (زعمائهم) وذلك قبل أن يسلموا فلما رجع معاذ سجد للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-

طور بواسطة نورين ميديا © 2015