الخطبة الثالثة
في شوال الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ووفق من شاء من عباده لعمارتها بالطاعات المتنوعة ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم وأولئك كان سعيهم مشكورا وخذل من أعرض عن ذكره واتبع هواه وأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وكان الله على كل شيء قديرا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد أيها الناس: فقد كنتم ترتقبون مجيء شهر رمضان ولقد جاء شهر رمضان وخلفتموه وراء ظهوركم وهكذا كل مستقبل سوف ينتهي إليه العبد ويصل إليه ويخلفه وراءه حتى الموت أيها الناس ولقد أودعتم شهر رمضان ما شاء الله تعالى أن تودعوه من الأعمال فمن كان منكم محسنا فليبشر بالقبول فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ومن كان منكم مسيئا فليتب إلى الله فالعذر قبل الموت مقبول والله يحب التوابين.
أيها الناس: لئن انقضى شهر الصيام فإن زمن العمل لا ينقضي إلا بالموت ولئن انقضت أيام صيام رمضان فإن الصيام لا يزال مشروعا ولله الحمد في كل وقت فقد سن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صيام يوم الاثنين والخميس وقال: «إن الأعمال تعرض فيهما على الله تعالى فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم» وأوصى أبا هريرة رضي الله عنه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وقال: «صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله» وأمر أن تكون هذه الأيام الثلاثة أيام البيض وهي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فمن أمكنه أن يجعل الثلاثة في أيام البيض فهو أفضل وإلا فلو في غيرها.
ولئن انقضى قيام رمضان فإن قيام الليل مشروع في كل ليلة من ليالي السنة ولله الحمد وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل