الخطبة التاسعة
في صلاة الكسوف الحمد لله الذي أظهر لعباده من آياته دليلا وهدى من شاء من خلقه فاتخذ ذلك عبرة، وابتغى إلى نجاته سبيلا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفرد بالخلق والتدبير جملة وتفصيلا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أبلغ الخلق بيانا، وأصدقهم قيلا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليما.
أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وتفكروا في آياته، وما يخلقه في السماوات والأرض، فإن في ذلك لآيات لقوم يعقلون، تفكروا في هذه السماوات السبع الشداد التي رفعها الله بقوته، وأمسكها بقدرته ورحمته أن تقع على العباد، تفكروا كيف أحكم الله بناءها، فما لها من فروج ولا فطور، وكيف زينها الله بالمصابيح التي عمتها بالجمال والنور، وكيف جعل فيها سراجا وقمرا منيرا، ثم تفكروا كيف كانت هذه المصابيح والسراج والقمر تسير بإذن الله في فلكها الذي وضعها الله فيه منذ خلقها الله حتى يأذن بخرابها لا تنقص عن سيرها، ولا تزيد، ولا ترتفع عنه، ولا تنزل، ولا تحيد، فسبحان من سيرها بقدرته، ورتب نظامها بحكمته، وهو القوي العزيز. عباد الله: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله الدالة على كمال قدرته وكمال حكمته ورحمته، فإذا نظرت إلى عظمتهما، وانتظام سيرهما عرفت بذلك كمال قدرة الله، وإذا نظرت إلى ما في اختلاف سيرهما من المصالح والمنافع تبين لك كمال حكمة الله ورحمته، ألا وإن من حكمة الله في سيرهما ما يحدث فيهما من الكسوف، وهو ذهاب ضوءهما كله، أو بعضه، فإن هذا الكسوف يحدث بأمر الله يخوف الله به عباده ليتوبوا إليه، ويستغفروه، ويعبدوه، ويعظموه، وقد كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج فزعا يجر رداءه حتى أتى المسجد، ثم نودي الصلاة جماعة، فاجتمع الناس، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى ركعتين في كل ركعة ركوعان وسجودان كبر، ثم قرأ الفاتحة، وسورة طويلة نحو سورة البقرة، حتى جعل أصحابه يخرون من طول القيام، ثم ركع، فأطال الركوع، ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم قرأ الفاتحة، وسورة طويلة دون الأولى، ثم ركع ركوعا طويلا دون الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وأطال القيام، ثم سجد، فأطال السجود، ثم جلس بين السجدتين، وأطال ثم سجد، فأطال، ثم قام إلى الركعة الثانية، فأطال القيام، وهو دون القيام في الركعة الأولى، ثم ركع، فأطال الركوع، وهو دون