فأقول: كون الله تعالى هو الخالق لكل شيء، وأن الله خلق العبد وعمله، كما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96] مما لا مرية فيه، وهذا معروف من عقائد أهل السنة والجماعة، وإنما ينفي الفعل حقيقة عن فاعله ومن قام به القدرية المجبرة، الذين يزعمون أن العبد مجبور، وأنه لا اختيار له ولا مشيئة، كما هو مبسوط في موضعه.
فإذا زعمتم أن دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والالتجاء إليهم، والتعلق عليهم إنما هو باعتبار التسبب والكسب العادي، وإنما المستغاث به في الحقيقة هو الله، فإسناد الغوث إلى الله تعالى إسناد حقيقي باعتبار الخلق والإيجاد، وإلى الأنبياء والصالحين إسناد مجازي.
فإذا كان ذلك كذلك لزم أن يكون إسناد أفعال العباد كلها إلى الله تعالى حقيقياً، فإن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الخالق لأفعال العبد هو الله تعالى، وهذا يقتضي أن يتصف الله تعالى حقيقة بالإيمان والصلاة، والزكاة والصوم والحج والجهاد، وصلة الرحم، وغير ذلك من الأعمال الحسنة، وكذلك يتصف حقيقة بالأعمال السيئة، من الكفر والفسوق والفجور والزنا، والكذب والسرقة، والعقوق وقتل النفس، وأكل الربا، وغيرها، فإنه تعالى هو الخالق لجميع الأفعال حسنها وسيئها.