والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29] الذي هو بمعنى العلو والارتفاع، هرباً عند نفسه من أن يلزمه بزعمه إذا تأوله بمعناه المفهوم، كذلك أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر1، ثم لم ينج مما هرب منه، فيقال له2: زعمت أن تأويل قوله سبحانه (استوى) : أقبل، أفكان3 مدبراً عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل، ولكنه إقبال تدبير، قيل له: فكذلك فقل4: علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال.
ثم لن يقول في شيء من ذلك قولاً إلا ألزم في الآخر مثله، ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بما ليس من جنسه لأنبأنا عن5 فساد قول كل قائل قال6 في ذلك قولاً لأهل الحق فيه مخالفاً، وفيما بينا منه ما يشرف بذي الفهم