قالوا إن نصوص الكتاب والسنة ظواهر ظنية لا تعارض اليقينيات، وما أشبه ذلك من التمويهات. وهذا الضرب من الناس هم الذين كثر في باب الدين اضطرابهم، وغلظ عن معرفة الله حجابهم، وإذا كان أدلة الكتاب والسنة ظواهر ظنية لا تعارض العقليات اليقينية فهلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الدهر أو أحد من سلف الأمة: إن هذه الآيات والأحاديث ظواهر ظنية، فلا تعتقدوا ما دلت عليه، ولكن اعتقدوا الذي تقتضيه عقولكم ومقاييسكم، أو أولوها بكذا وكذا فإنه الحق، وما خالفه ظاهره فلا تعتقدوا ظاهره، وانظروا فيما وافق قياس عقولكم فاعتقدوه، لأن العقل مقدم على النقل إذ هو أصله؟!
ثم كيف يجوز أن يقال في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يعلم زيد وعمرو بعقله أنه باطل، وأن يكون كل من اشتبه عليه شيء مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم قدم رأيه على نص الرسول صلى الله عليه وسلم في أنباء الغيب، وما أخبر به عن ربه، وما وصف به من صفات كماله ونعوت جلاله، بمجرد رأيه بدون الاستهداء بهدي الله، والاستضاءة بنور الله الذي أرسل به رسله، وأنزل به كتبه، مع علم كل أحد بقصوره، وتقصيره في هذا الباب، وبما وقع فيه الأكثرون من الاضطراب، ففي الجملة النصوص الثابتة في الكتاب والسنة لا يعارضها معقول قط، ولا يعارضها إلا ما فيه